للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجمهور، وقرءوه بكسر اللام من ﴿تُسْلِمُونَ﴾ أي من الإسلام.

وقال قتادة في قوله: ﴿كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ هذه السورة تسمى سورة النعم. وقال عبد الله بن المبارك وعباد بن العوام عن حنظلة السدوسي، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها (تسلمون) بفتح اللام، يعني من الجراح، رواه أبو عبيد القاسم بن سلام عن عباد، أخرجه ابن جرير (١) من الوجهين، ورد هذه القراءة.

وقال عطاء الخراساني: إنما نزل القرآن على قدر معرفة العرب، ألا ترى إلى قوله تعالى:

﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً﴾ وما جعل من السهل أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب جبال؟ ألا ترى إلى قوله: ﴿وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ﴾ وما جعل لهم من غير ذلك أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر؟ ألا ترى إلى قوله: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ﴾ لعجبهم من ذلك وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا لا يعرفونه؟ ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ وما تقي من البرد أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب حر (٢).

وقوله: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أي بعد هذا البيان وهذا الامتنان، فلا عليك منهم ﴿فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ وقد أديته إليهم ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها﴾ أي يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك وهو المتفضل به عليهم ومع هذا ينكرون ذلك ويعبدون معه غيره ويسندون النصر والرزق إلى غيره ﴿وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ﴾ كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مجاهد أن أعرابيا أتى النبي فسأله، فقرأ عليه رسول الله ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً﴾ فقال الأعرابي:

نعم، قال: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً﴾ الآية، قال الأعرابي: نعم، ثم قرأ عليه كل ذلك، يقول الأعرابي: نعم حتى بلغ ﴿كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ فولى الأعرابي، فأنزل الله ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها﴾ الآية.

[[سورة النحل (١٦): الآيات ٨٤ إلى ٨٨]]

﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦) وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨)

يخبر تعالى عن شأن المشركين يوم معادهم في الدار الآخرة، وأنه يبعث من كل أمة شهيدا


(١) تفسير الطبري ٧/ ٦٢٨.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧/ ٦٢٨، ٦٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>