للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طاعة الله وعبادته ونأى بجانبه. قال مجاهد: بعد عنا، قلت: وهذا كقوله تعالى: ﴿فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ [يونس: ١٢] وقوله: ﴿فَلَمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ﴾ [الإسراء: ٦٧] وبأنه إذا مسه الشر وهو المصائب، والحوادث والنوائب ﴿كانَ يَؤُساً﴾ أي قنط أن يعود فيحصل له بعد ذلك خير، كقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: ٩ - ١١].

وقوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ﴾ قال ابن عباس: على ناحيته. وقال مجاهد:

على حدته وطبيعته. وقال قتادة: على نيته. وقال ابن زيد: دينه، وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى وهذه الآية-والله أعلم-تهديد للمشركين ووعيد لهم، كقوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ﴾ [هود: ١٢١ - ١٢٢] الآية، ولهذا قال: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً﴾ أي منا ومنكم، وسيجزي كل عامل بعمله فإنه لا تخفى عليه خافية.

[[سورة الإسراء (١٧): آية ٨٥]]

﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً (٨٥)

قال الإمام أحمد (١): حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة، عن عبد الله هو ابن مسعود قال: كنت أمشي مع رسول الله في حرث في المدينة، وهو متوكئ على عسيب، فمر بقوم من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه. قال فسألوه عن الروح، فقالوا: يا محمد ما الروح؟ فما زال متوكئا على العسيب، قال: فظننت أنه يوحى إليه، فقال: ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً﴾ قال: فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم لا تسألوه. وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث الأعمش به.

ولفظ البخاري عند تفسيره هذه الآية عن عبد الله بن مسعود قال: بينا أنا أمشي مع النبي في حرث وهو متوكئ على عسيب، إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض:

سلوه عن الروح، فقال: ما رابكم إليه، وقال بعضهم: لا يستقبلنكم بشيء تكرهونه. فقالوا سلوه، فسألوه عن الروح، فأمسك النبي ، فلم يرد عليهم شيئا، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي، فلما نزل الوحي قال: ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ الآية (٢).

وهذا السياق يقتضي فيما يظهر بادي الرأي أن هذه الآية مدنية، وأنها نزلت حين سأله


(١) المسند ١/ ٣٨٩، ٤١٠، ٤٤٥.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١٧، باب ١٣، والتوحيد باب ٢٨، ومسلم في صفات المنافقين حديث ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>