للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليهود عن ذلك بالمدينة، مع أن السورة كلها مكية. وقد يجاب عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية، كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك، أو نزل عليه الوحي بأن يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه، وهي هذه الآية ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾.

ومما يدل على نزول هذه الآية بمكة ما قال الإمام أحمد (١): حدثنا قتيبة، حدثنا يحيى بن زكريا عن داود عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قالت قريش ليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه، فنزلت ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً﴾ قالوا: أوتينا علما كثيرا، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا، قال: وأنزل الله ﴿قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ﴾ [الكهف: ١٠٩] الآية.

وقد روى ابن جرير (٢) عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى، عن داود عن عكرمة قال:

سأل أهل الكتاب رسول الله عن الروح، فأنزل الله ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ الآية، فقالوا:

تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا، وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ قال: فنزلت ﴿وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ [لقمان: ٢٧] الآية، قال ما أوتيتم من علم فنجاكم الله به من النار، فهو كثير طيب، وهو في علم الله قليل.

وقال محمد بن إسحاق عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار قال: نزلت بمكة ﴿وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً﴾ فلما هاجر رسول الله إلى المدينة أتاه أحبار يهود وقالوا:

يا محمد ألم يبلغنا عنك أنك تقول ﴿وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً﴾ أفعنيتنا أم عنيت قومك، فقال «كلا قد عنيت» فقالوا: إنك تتلو أنا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء، فقال رسول الله : «هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم» وأنزل الله ﴿وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (٣) [لقمان: ٢٧].

وقد اختلف المفسرون في المراد بالروح هاهنا على أقوال [أحدها] أن المراد أرواح بني آدم. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ الآية، وذلك أن اليهود قالوا للنبي : أخبرنا عن الروح وكيف تعذب الروح التي في الجسد، وإنما الروح من الله ولم يكن نزل عليه فيه شيء، فلم يحر إليهم شيئا، فأتاه جبريل فقال له: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ﴾


(١) المسند ١/ ٢٥٥.
(٢) تفسير الطبري ٨/ ١٤١، ١٤٢.
(٣) انظر تفسير الطبري ٨/ ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>