﵁، فقال رسول الله ﷺ«انزلوا على حكم سعد بن معاذ» فنزلوا، وبعث رسول الله ﷺ إلى سعد بن معاذ ﵁، فأتى به على حمار عليه إكاف من ليف قد حمل عليه، وحف به قومه فقالوا: يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك، وأهل النكاية ومن قد علمت.
قالت: فلا يرجع إليهم شيئا ولا يلتفت إليهم، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال: قد آن لي أن لا أبالي في الله لومة لائم. قال: قال أبو سعيد فلما طلع، قال رسول الله ﷺ«قوموا إلى سيدكم فأنزلوه» فقال عمر ﵁: سيدنا الله، قال «أنزلوه» فأنزلوه، قال رسول الله ﷺ«احكم فيهم» قال سعد ﵁: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم، فقال رسول الله ﷺ«لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله» ثم دعا سعد ﵁، فقال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئا فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك قال: فانفجر كلمه وكان قد برئ منه إلا مثل الخرص، ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله.
قالت عائشة ﵂: فحضره رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر ﵄، قالت: فوالذي نفس محمد بيده، إني لأعرف بكاء أبي بكر ﵁ من بكاء عمر ﵁ وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله تعالى: ﴿رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ قال علقمة: فقلت أي أمه، فكيف كان رسول الله ﷺ يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته ﷺ(١)، وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ﵂ نحوا من هذا، ولكنه أخصر منه، وفيه دعا سعد ﵁.
هذا أمر من الله ﵎ لرسوله ﷺ بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن ﵅ وأرضاهن الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة. قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة ﵂ زوج النبي ﷺ أخبرته أن رسول الله ﷺ جاءها حين أمره الله تعالى أن يخير أزواجه، قالت: فبدأ بي رسول الله ﷺ فقال: «إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري
(١) أخرجه البخاري في المغازي باب ٣٠، ومسلم في الجهاد حديث ٦٥.