للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول تعالى مخاطبا لإبليس بأمر قدري كوني ﴿فَاهْبِطْ مِنْها﴾ أي بسبب عصيانك لأمري وخروجك عن طاعتي فما يكون لك أن تتكبر فيها، قال كثير من المفسرين: الضمير عائد إلى الجنة ويحتمل أن يكون عائدا إلى المنزلة التي هو فيها في الملكوت الأعلى ﴿فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ﴾ أي الذليلين الحقيرين، معاملة له بنقيض قصده ومكافأة لمراده بضده، فعند ذلك استدرك اللعين وسأل النظرة إلى يوم الدين، قال ﴿أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ أجابه تعالى إلى ما سأل، لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع، ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب.

[[سورة الأعراف (٧): الآيات ١٦ إلى ١٧]]

﴿قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧)

يخبر تعالى أنه لما أنذر إبليس ﴿إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ واستوثق إبليس بذلك، أخذ في المعاندة والتمرد، فقال ﴿فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أي كما أغويتني، قال ابن عباس: كما أضللتني (١)، وقال غيره: كما أهلكتني لأقعدن لعبادك الذين تخلقهم من ذرية هذا الذي أبعدتني بسببه على ﴿صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أي طريق الحق وسبيل النجاة، ولأضلنهم عنها لئلا يعبدوك ولا يوحدوك بسبب إضلالك إياي، وقال بعض النحاة: الباء هنا قسمية كأنه يقول فبإغوائك إياي لأقعدن لهم صراطك المستقيم (٢)، قال مجاهد: صراطك المستقيم يعني الحق (٣)، وقال محمد بن سوقة عن عون بن عبد الله: يعني طريق مكة، قال ابن جرير:

الصحيح أن الصراط المستقيم أعم من ذلك.

(قلت) لما روى الإمام أحمد (٤): حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا أبو عقيل يعني الثقفي عبد الله بن عقيل، حدثنا موسى بن المسيب، أخبرني سالم بن أبي الجعد، عن سبرة بن أبي الفاكه، قال: سمعت رسول الله يقول إن الشيطان قعد لابن آدم بطرقه فقعد له بطريق الإسلام، فقال: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك قال فعصاه وأسلم» قال «وقعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول، فعصاه وهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد وهو جهاد النفس والمال، فقال تقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال قال فعصاه وجاهد».

وقال رسول الله فمن فعل ذلك منهم فمات، كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن


(١) انظر تفسير الطبري ٥/ ٤٤٣.
(٢) انظر تفسير الطبري ٥/ ٤٤٤.
(٣) انظر تفسير الطبري ٥/ ٤٤٤.
(٤) المسند ٣/ ٤٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>