للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السدي: الغمير نبت رطب ينبت في خلال يبس، والأريكين موضع، والدميك الشهر التام، وهذا الشعر لكعب بن زهير. وقوله : ﴿لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى﴾ أي أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧ - ٨] و ﴿إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٦] وقوله: ﴿فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها﴾ الآية، المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين. أي لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في دنياه، وعصى مولاه واتبع هواه، فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر ﴿فَتَرْدى﴾ أي تهلك وتعطب، قال الله تعالى: ﴿وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدّى﴾ [الليل: ١١].

[[سورة طه (٢٠): الآيات ١٧ إلى ٢١]]

﴿وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١)

هذا برهان من الله تعالى لموسى ، ومعجزة عظيمة، وخرق للعادة باهر دل على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله ﷿، وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل. وقوله: ﴿وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى﴾ قال بعض المفسرين: إنما قال له ذلك على سبيل الإيناس له، وقيل: وإنما قال له ذلك على وجه التقرير، أي أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها، فسترى ما نصنع بها الآن ﴿وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى﴾ استفهام تقرير ﴿قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها﴾ أي أعتمد عليها في حال المشي ﴿وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي﴾ أي أهز بها الشجرة ليتساقط ورقها لترعاه غنمي. قال عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك: الهش أن يضع الرجل المحجن في الغصن ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره ولا يكسر العود، فهذا الهش ولا يخبط، وكذا قال ميمون بن مهران أيضا.

وقوله: ﴿وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى﴾ أي مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك، وقد تكلف بعضهم لذكر شيء من تلك المآرب التي أبهمت، فقيل: كانت تضيء له بالليل وتحرس له النغم إذا نام، ويغرسها فتصير شجرة تظله، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، والظاهر أنها لم تكن كذلك، ولو كانت كذلك لما استنكر موسى صيرورتها ثعبانها فما كان يفر منها هاربا، ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية، وكذا قول بعضهم: إنها كانت لآدم ، وقول الآخر: إنها هي الدابة التي تخرج قبل يوم القيامة، وروي عن ابن عباس أنه قال: كان اسمها ماشا، والله أعلم بالصواب.

وقوله تعالى: ﴿قالَ أَلْقِها يا مُوسى﴾ أي هذه العصا التي في يدك يا موسى ألقها ﴿فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى﴾ أي صارت في الحال حية عظيمة ثعبانا طويلا يتحرك حركة سريعة، فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>