للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ﴾ كما أخبر تعالى في سورة الصافات عن الذي كان له قرين من الكفار ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [الصافات: ٥٤ - ٥٩] أي: ينكر عليه مقالته التي يقولها في الدنيا ويقرعه بما صار إليه من العذاب والنكال وكذلك تقرعهم الملائكة يقولون لهم: ﴿هذِهِ النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ اِصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٤ - ١٦].

وكذلك قرّع رسول الله قتلى القليب يوم بدر فنادى «يا أبا جهل بن هشام ويا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة-وسمى رؤوسهم-هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا، وقال عمر: يا رسول الله تخاطب قوما قد جيفوا؟ فقال «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا» (١).

وقوله تعالى: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ﴾ أي أعلم معلم ونادى مناد ﴿أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمِينَ﴾ أي مستقرة عليهم ثم وصفهم بقوله ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً﴾ أي يصدون الناس عن اتباع سبيل الله وشرعه وما جاءت به الأنبياء ويبغون أن تكون السبيل معوجة غير مستقيمة حتى لا يتبعها أحد ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ﴾ أي وهم بلقاء الله في الدار الآخرة كافرون أي جاحدون مكذبون بذلك لا يصدقونه ولا يؤمنون به فلهذا لا يبالون بما يأتون من منكر من القول والعمل لأنهم لا يخافون حسابا عليه ولا عقابا فهم شر الناس أقوالا وأعمالا.

[[سورة الأعراف (٧): الآيات ٤٦ إلى ٤٧]]

﴿وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ (٤٧)

لما ذكر تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار نبه أن بين الجنة والنار حجابا وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة، قال ابن جرير (٢): وهو السور الذي قال الله تعالى فيه:

﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ﴾ [الحديد: ١٣] وهو الأعراف. الذي قال الله تعالى فيه: ﴿وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ﴾ ثم روى بإسناده عن السدي أنه قال في قوله تعالى: ﴿وَبَيْنَهُما حِجابٌ﴾ وهو السور وهو الأعراف وقال مجاهد الأعراف حجاب بين الجنة والنار سور له باب، قال ابن جرير (٣): والأعراف جمع عرف وكل مرتفع من الأرض عند العرب يسمى عرفا، وإنما قيل لعرف الديك عرفا لارتفاعه.


(١) أخرجه مسلم في الجنة حديث ٧٧.
(٢) تفسير الطبري ٥/ ٤٩٧.
(٣) تفسير الطبري ٥/ ٤٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>