للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ [يس: ٣٤- ٣٦] .

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٦٨ الى ٦٩]

وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩)

المراد بالوحي هنا الإلهام والهداية، والإرشاد للنحل أَنْ تَتَّخِذَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا تَأْوِي إِلَيْهَا، وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ هِيَ مُحْكَمَةٌ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ فِي تَسْدِيسِهَا وَرَصِّهَا بِحَيْثُ لا يكون في بيتها خَلَلٌ، ثُمَّ أَذِنَ لَهَا تَعَالَى إِذْنًا قَدَرِيًّا تَسْخِيرِيًّا أَنْ تَأْكُلَ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، وَأَنْ تسلك الطرق التي جعلها الله تعالى مذللة لها، أي مسهلة عليها حيث شاءت من هَذَا الْجَوِّ الْعَظِيمِ، وَالْبَرَارِي الشَّاسِعَةِ، وَالْأَوْدِيَةِ وَالْجِبَالِ الشَّاهِقَةِ، ثُمَّ تَعُودُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا إِلَى بيتها لَا تَحِيدُ عَنْهُ يُمْنَةً وَلَا يُسْرَةً، بَلْ إِلَى بَيْتِهَا وَمَا لَهَا فِيهِ مِنْ فِرَاخٍ وَعَسَلٍ، فَتَبْنِي الشَّمْعَ مِنْ أَجْنِحَتِهَا وَتَقِيءُ الْعَسَلَ مِنْ فِيهَا، وَتَبِيضُ الْفِرَاخَ مِنْ دُبُرِهَا، ثُمَّ تُصْبِحُ إِلَى مَرَاعِيهَا.

وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا أَيْ مُطِيعَةً «١» ، فَجَعَلَاهُ حَالًا مِنَ السَّالِكَةِ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَهُوَ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ قال: ألا ترى أنهم ينقلون النحل ببيوته مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَهُوَ يَصْحَبُهُمْ، وَالْقَوْلُ الأول هو الأظهر، وَهُوَ أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الطَّرِيقِ، أَيْ فَاسْلُكِيهَا مُذَلَّلَةً لَكِ، نَصَّ عَلَيْهِ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: كِلَا الْقَوْلَيْنِ صَحِيحٌ. وَقَدْ قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا مكين بن عبد العزيز عن أبيه عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُمْرُ الذُّبَابِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَالذُّبَابُ كُلُّهُ فِي النَّارِ إِلَّا النَّحْلَ» .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ مَا بَيْنَ أَبْيَضَ وَأَصْفَرَ وَأَحْمَرَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْوَانِ الْحَسَنَةِ عَلَى اخْتِلَافِ مَرَاعِيهَا وَمَأْكَلِهَا مِنْهَا. وَقَوْلُهُ: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ أَيْ فِي العسل شفاء للناس، أي مِنْ أَدْوَاءٍ تَعْرِضُ لَهُمْ، قَالَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الطِّبِّ النَّبَوِيِّ: لَوْ قَالَ فِيهِ الشِّفَاءُ لِلنَّاسِ، لَكَانَ دَوَاءً لِكُلِّ دَاءٍ، وَلَكِنْ قَالَ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ، أَيْ يَصْلُحُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَدْوَاءٍ بَارِدَةٍ، فَإِنَّهُ حَارٌّ وَالشَّيْءُ يداوى بضده.

وقال مجاهد وابن جرير فِي قَوْلِهِ: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ الظَّاهِرُ هَاهُنَا مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ، فَإِنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا ذَكَرَ فِيهَا الْعَسَلَ وَلَمْ يُتَابَعْ مُجَاهِدٌ عَلَى قَوْلِهِ هَاهُنَا، وَإِنَّمَا الَّذِي قَالَهُ ذَكَرُوهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الْإِسْرَاءِ: ٨٢] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: ٥٧] .


(١) انظر تفسير الطبري ٧/ ٦١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>