للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك.

[[سورة الأنبياء (٢١): الآيات ٨٥ إلى ٨٦]]

﴿وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصّالِحِينَ (٨٦)

وأما إسماعيل فالمراد به ابن إبراهيم الخليل ، وقد تقدم ذكره في سورة مريم، وكذا إدريس ، وأما ذو الكفل، فالظاهر من السياق أنه ما قرن مع الأنبياء إلا وهو نبي. وقال آخرون: إنما كان رجلا صالحا، وكان ملكا عادلا، وحكما مقسطا، وتوقف ابن جرير في ذلك، فالله أعلم. قال ابن جريج عن مجاهد في قوله: ﴿وَذَا الْكِفْلِ﴾ قال: رجل صالح غير نبي، تكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي ذا الكفل، وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أيضا.

وروى ابن جرير (١): حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا داود عن مجاهد قال: لما كبر اليسع قال: لو أني استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يفعل، فجمع الناس فقال: من يتقبل مني بثلاث أستخلفه: يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب؟ قال: فقام رجل تزدريه الأعين فقال: أنا، فقال: أنت تصوم النهار وتقوم الليل ولا تغضب؟ قال: نعم، قال: فرده ذلك اليوم وقال مثلها في اليوم الآخر، فسكت الناس، وقام ذلك الرجل فقال: أنا، فاستخلفه. قال: فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان فأعياهم ذلك، فقال: دعوني وإياه، فأتاه في صورة شيخ كبير فقير، فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة (٢) -وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة، فدق الباب.

فقال: من هذا؟ قال: شيخ كبير مظلوم، قال: فقام ففتح الباب، فجعل يقص عليه، فقال: إن بيني وبين قومي خصومة، وإنهم ظلموني، وفعلوا بي وفعلوا بي، وجعل يطول عليه حتى حضر الرواح (٣) وذهبت القائلة، فقال: إذا رحت فأتني آخذ لك بحقك، فانطلق وراح، فكان في مجلسه، فجعل ينظر هل يرى الشيخ فلم يره، فقام يتبعه، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه، فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه، أتاه فدق الباب فقال: من هذا؟ قال: الشيخ الكبير المظلوم، ففتح له فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فأتني، قال: إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا: نحن نعطيك حقك، وإذا قمت جحدوني، قال: فانطلق، فإذا رحت فأتني.

قال: ففاتته القائلة، فراح فجعل ينتظره ولا يراه، وشق عليه النعاس، فقال لبعض أهله:


(١) تفسير الطبري ٩/ ٧١.
(٢) القائلة: نصف النهار.
(٣) الرواح: آخر النهار.

<<  <  ج: ص:  >  >>