للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ لَمَّا طَلَبُوا مِنْ نَبِيِّهِمْ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُمْ مَلِكًا مِنْهُمْ، فَعَيَّنَ لَهُمْ طَالُوتَ، وَكَانَ رَجُلًا مِنْ أَجْنَادِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَيْتِ الملك فيهم، لأن الملك كَانَ فِي سِبْطِ يَهُوذَا، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ ذَلِكَ السِّبْطِ، فَلِهَذَا قَالُوا: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا، أَيْ كَيْفَ يَكُونُ مَلِكًا عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ أي هُوَ مَعَ هَذَا فَقِيرٌ لَا مَالَ لَهُ يَقُومُ بِالْمُلْكِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ سَقَّاءً، وَقِيلَ: دَبَّاغًا، وَهَذَا اعْتِرَاضٌ مِنْهُمْ عَلَى نَبِيِّهِمْ وَتَعَنُّتٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى بِهِمْ طَاعَةً وَقَوْلَ مَعْرُوفٍ، ثُمَّ قَدْ أَجَابَهُمُ النَّبِيُّ قَائِلًا: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ أَيِ اخْتَارَهُ لَكُمْ مِنْ بَيْنِكُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكُمْ، يَقُولُ: لَسْتُ أَنَا الَّذِي عَيَّنْتُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي، بَلِ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِ لَمَّا طَلَبْتُمْ مِنِّي ذَلِكَ، وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ أَيْ وَهُوَ مَعَ هَذَا، أَعْلَمُ مِنْكُمْ، وَأَنْبَلُ، وَأَشْكَلُ مِنْكُمْ، وَأَشَدُّ قُوَّةً وَصَبْرًا فِي الْحَرْبِ وَمَعْرِفَةً بِهَا، أَيْ أَتَمُّ عِلْمًا وَقَامَةً مِنْكُمْ، وَمِنْ هَاهُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَلِكُ ذَا عِلْمٍ وَشَكْلٍ حَسَنٍ وَقُوَّةٍ شَدِيدَةٍ فِي بَدَنِهِ وَنَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ أَيْ هُوَ الْحَاكِمُ الَّذِي مَا شَاءَ فَعَلَ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَهُمْ يُسْأَلُونَ لِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَأْفَتِهِ بِخَلْقِهِ، وَلِهَذَا قَالَ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ أَيْ هُوَ وَاسِعُ الْفَضْلِ، يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ، عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْمُلْكَ مِمَّنْ لَا يستحقه.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٨]]

وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨)

يقول لهم نبيهم: إِنَّ عَلَّامَةَ بَرَكَةِ مُلْكِ طَالُوتَ عَلَيْكُمْ، أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ عَلَيْكُمُ التَّابُوتَ الَّذِي كَانَ أُخِذَ مِنْكُمْ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ قِيلَ مَعْنَاهُ وَقَارٌ وَجَلَالَةٌ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِيهِ سَكِينَةٌ أَيْ وَقَارٌ: وَقَالَ الرَّبِيعُ: رَحْمَةٌ، وَكَذَا رُوِيَ عَنِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَوْلِهِ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ؟ قَالَ: ما تعرفون من آيات الله فتسكنون إليه، وكذا قال الحسن البصري. وَقِيلَ: السَّكِينَةُ طَسْتٌ مِنْ ذَهَبٍ، كَانَتْ تُغْسَلُ فِيهِ قُلُوبُ الْأَنْبِيَاءِ، أَعْطَاهَا اللَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَوَضَعَ فِيهَا الْأَلْوَاحَ، وَرَوَاهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الأحواص، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:

السَّكِينَةُ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ، ثُمَّ هِيَ رُوحٌ هَفَّافَةٌ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَحَمَّادُ بن سلمة وأبو الأحواص، كُلُّهُمْ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْعُرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: السَّكِينَةُ رِيحٌ خُجُوجٌ، وَلَهَا رَأْسَانِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَهَا جَنَاحَانِ وَذَنَبٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: السَّكِينَةُ رَأْسُ هِرَّةٍ مَيِّتَةٍ إِذَا صَرَخَتْ فِي التَّابُوتِ بِصُرَاخِ هِرٍّ، أَيْقَنُوا بِالنَّصْرِ، وَجَاءَهُمُ الْفَتْحُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: السَّكِينَةُ رُوحٌ مِنَ اللَّهِ تَتَكَلَّمُ، إِذَا اخْتَلَفُوا في شيء، تكلم، فتخبرهم ببيان

<<  <  ج: ص:  >  >>