للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال تعالى: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ﴾ يعني الآلهة التي تدعونها من دون الله لا تسمع دعاءكم، لأنها جماد لا أرواح فيها، ﴿وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ﴾ أي لا يقدرون على شيء مما تطلبون منها ﴿وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ أي يتبرؤون منكم، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ وَإِذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٥ - ٦] وقال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨١ - ٨٢]. وقوله تعالى: ﴿وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ أي ولا يخبرك بعواقب الأمور ومآلها وما تصير إليه مثل خبير بها. قال قتادة: يعني نفسه ، فإنه أخبر بالواقع لا محالة.

[[سورة فاطر (٣٥): الآيات ١٥ إلى ١٨]]

﴿يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكّى فَإِنَّما يَتَزَكّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨)

يخبر تعالى بغناه عما سواه، وبافتقار المخلوقات كلها وتذللها بين يديه، فقال تعالى:

﴿يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ﴾ أي هم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات، وهو تعالى الغني عنهم بالذات، ولهذا قال ﷿: ﴿وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ أي هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له، وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله ويقدره ويشرعه. وقوله تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أي لو شاء لأذهبكم أيها الناس وأتى بقوم غيركم، وما هذا عليه بصعب ولا ممتنع، ولهذا قال تعالى: ﴿وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ أي يوم القيامة ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها﴾ أي وإن تدع نفس مثقلة بأوزارها إلى أن تساعد على حمل ما عليها من الأوزار أو بعضه ﴿لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى﴾ أي وإن كان قريبا إليها حتى ولو كان أباها أو ابنها، كل مشغول بنفسه وحاله. قال عكرمة في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها﴾ الآية، قال هو الجار يتعلق بجاره يوم القيامة، فيقول: يا رب سل هذا لم كان يغلق بابه دوني، وإن الكافر ليتعلق بالمؤمن يوم القيامة، فيقول له: يا مؤمن إن لي عندك يدا قد عرفت كيف كنت لك في الدنيا وقد احتجت إليك اليوم، فلا يزال المؤمن يشفع له عند ربه حتى يرده إلى منزل دون منزله، وهو في النار.

وإن الوالد ليتعلق بولده يوم القيامة فيقول: يا بني أي والد كنت لك، فيثني خيرا، فيقول له: يا بني إني قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك أنجو بها مما ترى، فيقول له ولده:

<<  <  ج: ص:  >  >>