للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البصيرة كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦] فلهذا لا يرجعون إلى ما كانوا عليه من الهداية التي باعوها بالضلالة.

[ذكر أقوال المفسرين من السلف بنحو ما ذكرناه]

قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة في قوله تعالى ﴿فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ﴾ زعم أن ناسا دخلوا في الإسلام مقدم نبي الله المدينة ثم إنهم نافقوا وكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة فأوقد نارا فلما أضاءت ما حوله من قذى أو أذى فأبصره حتى عرف ما يتقي منه فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى، فكذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم فعرف الحلال والحرام والخير والشر فبينا هو كذلك إذ كفر فصار لا يعرف الحلال من الحرام ولا الخير من الشر (١). وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية، قال: أما النور فهو إيمانهم الذي كانوا يتكلمون به وأما الظلمة فهي ضلالتهم وكفرهم الذي كانوا يتكلمون به وهم قوم كانوا على هدى ثم نزع منهم فعتوا بعد ذلك (٢). وقال مجاهد: ﴿فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ﴾ أما إضاءة النار فإقبالهم إلى المؤمنين والهدى. وقال عطاء الخراساني في قوله تعالى ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً﴾ قال: هذا مثل المنافق يبصر أحيانا ويعرف أحيانا ثم يدركه عمى القلب. وقال ابن أبي حاتم:

وروي عن عكرمة والحسن والسدي والربيع بن أنس نحو قول عطاء الخراساني. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً﴾ إلى آخر الآية، قال: هذه صفة المنافقين كانوا قد آمنوا حتى أضاء الإيمان في قلوبهم كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا نارا ثم كفروا فذهب الله بنورهم فانتزعه كما ذهب بضوء هذه النار فتركهم في ظلمات لا يبصرون (٣).

وأما قول ابن جرير فيشبه ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً﴾ قال: هذا مثل ضربه الله للمنافقين أنهم كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء، فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العز كما سلب صاحب النار ضوءه. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً﴾ فإنما ضوء النار ما أوقدتها، فإذا خمدت ذهب نورها، وكذلك المنافق كلما تكلم بكلمة الإخلاص بلا إله إلا الله أضاء له، فإذا شك وقع في الظلمة. وقال الضحاك:

﴿ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ﴾ أما نورهم فهو إيمانهم الذي تكلموا به. وقال عبد الرزاق عن معمر عن


(١) الدر المنثور ١/ ٧١؛ والطبري ١/ ١٧٦.
(٢) الطبري ١/ ١٧٦.
(٣) الطبري ١/ ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>