للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوضع لسليمان ستمائة ألف كرسي، فيجلس مما يليه مؤمنو الإنس، ثم يجلس من ورائهم مؤمنو الجن، ثم يأمر الطير فتظلهم، ثم يأمر الريح فتحمله . قال عبد الله بن عبيد بن عمير: كان سليمان يأمر الريح فتجتمع كالطود العظيم كالجبل، ثم يأمر بفراشه فيوضع على أعلى مكان منها، ثم يدعو بفرس من ذوات الأجنحة فيرتفع حتى يصعد على فراشه، ثم يأمر الريح فترتفع به كل شرف دون السماء، وهو مطأطئ رأسه ما يلتفت يمينا ولا شمالا، تعظيما لله ﷿، وشكرا لما يعلم من صغر ما هو فيه في ملك الله ﷿، حتى تضعه الريح حيث شاء أن تضعه.

وقوله: ﴿وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ﴾ أي في الماء يستخرجون اللئالئ والجواهر وغير ذلك، ﴿وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ﴾ أي غير ذلك، كما قال تعالى: ﴿وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنّاءٍ وَغَوّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ﴾ [ص: ٣٧ - ٣٨]. وقوله: ﴿وَكُنّا لَهُمْ حافِظِينَ﴾ أي يحرسه الله أن يناله أحد من الشياطين بسوء، بل كل في قبضته وتحت قهره، لا يتجاسر أحد منهم على الدنو إليه والقرب منه، بل هو يحكم فيهم إن شاء أطلق وإن شاء حبس منهم من يشاء، ولهذا قال: ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ﴾.

[[سورة الأنبياء (٢١): الآيات ٨٣ إلى ٨٤]]

﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)

يذكر تعالى عن أيوب ، ما كان أصابه من البلاء في ماله وولده وجسده، وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير وأولاد ومنازل مرضية، فابتلى في ذلك كله وذهب عن آخره، ثم ابتلي في جسده، يقال: بالجذام في سائر بدنه، ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر بهما الله ﷿، حتى عافه الجليس، وأفرد في ناحية من البلد، ولم يبق أحد من الناس يحنو عليه سوى زوجته كانت تقوم بأمره، ويقال: إنها احتاجت، فصارت تخدم الناس من أجله، وقد قال النبي : «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل» (١).

وفي الحديث الآخر «يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه» (٢) وقد كان نبي الله أيوب غاية في الصبر. وبه يضرب المثل في ذلك. وقال يزيد بن ميسرة: لما ابتلى الله أيوب بذهاب الأهل والمال والولد، ولم يبق شيء له أحسن الذكر، ثم قال: أحمدك رب الأرباب، الذي أحسنت إليّ، أعطيتني المال والولد فلم يبق من


(١) أخرجه الترمذي في الزهد باب ٥٧، وابن ماجة في الفتن باب ٢٣، والدارمي في الرقاق باب ٦٧، وأحمد في المسند ١/ ١٧٢، ١٧٤، ١٨٠، ١٨٥.
(٢) راجع التخريج السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>