للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلقة قمر (١)، وقالت عائشة : دخل علي رسول الله مسرورا تبرق أسارير وجهه (٢) الحديث.

وقوله تعالى: ﴿وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا﴾ أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم ﴿جَنَّةً وَحَرِيراً﴾ أي منزلا رحبا وعيشا رغيدا ولباسا حسنا. وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة هشام بن سليمان الداراني قال: قرئ على أبي سليمان الداراني سورة ﴿هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ﴾ فلما بلغ القارئ إلى قوله تعالى: ﴿وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً﴾ قال: بما صبروا على ترك الشهوات في الدنيا ثم أنشد يقول: [الطويل] كم قتيل بشهوة وأسير … أف من مشتهي خلاف الجميل

شهوات الإنسان تورثه الذل … وتلقيه في البلاء الطويل

[[سورة الإنسان (٧٦): الآيات ١٣ إلى ٢٢]]

﴿مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧) عَيْناً فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلاً (١٨) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢)

يخبر تعالى عن أهل الجنة وما هم فيه من النعيم المقيم وما أسبغ عليهم من الفضل العميم فقال تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ﴾ وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الصافات، وذكر الخلاف في الاتكاء هل هو الاضطجاع أو التمرفق أو التربع أو التمكن في الجلوس، وأن الأرائك هي السرر تحت الحجال.

وقوله تعالى: ﴿لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً﴾ أي ليس عندهم حر مزعج ولا برد مؤلم بل هي مزاج واحد دائم سرمدي لا يبغون عنها حولا ﴿وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها﴾ أي قريبة إليهم أغصانها ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً﴾ أي متى تعاطاه دنا القطف إليه وتدلى من أعلى غصنه كأنه سامع طائع كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ﴾ [الرّحمن: ٥٤] وقال جل وعلا: ﴿قُطُوفُها دانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ٢٣] قال مجاهد: ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً﴾ إن قام ارتفعت معه بقدره، وإن قعد تذللت له حتى ينالها، وإن اضطجع تذللت له حتى ينالها فذلك قوله تعالى:

﴿تَذْلِيلاً﴾ وقال قتادة: لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد، وقال مجاهد أرض الجنة من ورق وترابها من المسك، وأصول شجرها من ذهب وفضة، وأفنانها من اللؤلؤ الرطب والزبرجد


(١) أخرجه البخاري في المناقب باب ٢٣، والمغازي باب ٧٩، وتفسير سورة ٩، باب ١٨، ومسلم في التوبة حديث ٥٣، والترمذي في تفسير سورة ٩، باب ١٧، وأحمد في المسند ٦/ ٣٨٩، ٣٩.
(٢) أخرجه البخاري في المناقب باب ٢٣، ومسلم في الرضاع حديث ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>