للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر، يؤجر المؤمن في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته». وقد رواه النسائي في اليوم والليلة من حديث أبي إسحاق السبيعي به، وهو حديث عزيز من رواية عمر بن سعد عن أبيه، ولكن له شاهد في الصحيحين من حديث أبي هريرة «عجبا للمؤمن لا يقضي الله تعالى له قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن» (١). قال مطرف يقول: نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر.

[[سورة سبإ (٣٤): الآيات ٢٠ إلى ٢١]]

﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١)

لما ذكر تعالى قصة سبأ وما كان من أمرهم في اتباعهم الهوى والشيطان، أخبر عنهم وعن أمثالهم ممن اتبع إبليس والهوى وخالف الرشاد والهدى، فقال: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ قال ابن عباس وغيره: هذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن إبليس حين امتنع من السجود لآدم ، ثم قال: ﴿أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً﴾ [الإسراء: ٦٢] وقال: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٧] والآيات في هذا كثيرة، وقال الحسن البصري: لما أهبط الله آدم من الجنة ومعه حواء، هبط إبليس فرحا بما أصاب منهما، وقال: إذا أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف، وكان ذلك ظنا من إبليس، فأنزل الله ﷿ ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فقال عند ذلك إبليس: لا أفارق ابن آدم ما دام فيه الروح أعده وأمنيه وأخدعه، فقال الله تعالى: «وعزتي وجلالي لا أحجب عنه التوبة ما لم يغرغر بالموت، ولا يدعوني إلا أجبته، ولا يسألني إلا أعطيته، ولا يستغفر إلا غفرت له»، رواه ابن أبي حاتم.

وقوله : ﴿وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ﴾ قال ابن عباس : أي من حجة. وقال الحسن البصري: والله ما ضربهم بعصا ولا أكرهم على شيء، وما كان إلا غرورا وأماني، دعاهم إليها فأجابوه، وقوله ﷿: ﴿إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ﴾ أي إنما سلطناه عليهم ليظهر أمر من هو مؤمن بالآخرة وقيامها والحساب فيها والجزاء، فيحسن عبادة ربه ﷿ في الدنيا ممن هو منها في شك.

وقوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ أي ومع حفظه ضل من ضل من أتباع إبليس، وبحفظه وكلاءته سلم من سلم من المؤمنين أتباع الرسل.


(١) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>