[البقرة: ٢١] من سورة البقرة، وَلِهَذَا قَالَ لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ أَيْ إِنَّمَا جَعَلْنَاكُمْ هَكَذَا أُمَّةً وَسَطًا عُدُولًا خِيَارًا مَشْهُودًا بِعَدَالَتِكُمْ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمَمِ، لِتَكُونُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأُمَمِ مُعْتَرِفَةٌ يَوْمَئِذٍ بِسِيَادَتِهَا وَفَضْلِهَا عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ سِوَاهَا، فَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَنَّ الرُّسُلَ بَلَّغَتْهُمْ رِسَالَةَ رَبِّهِمْ، وَالرَّسُولُ يَشْهَدُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنَّهُ بَلَّغَهَا ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [الْبَقَرَةِ: ١٤٣] وَذَكَرْنَا حَدِيثَ نُوحٍ وَأُمَّتِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
وَقَوْلُهُ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ أَيْ قَابِلُوا هَذِهِ النِّعْمَةَ الْعَظِيمَةَ بالقيام بشكرها فأدوا حَقَّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فِي أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ وَطَاعَةِ مَا أَوْجَبَ وَتَرْكِ مَا حَرَّمَ، وَمِنْ أَهَمِّ ذَلِكَ إِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَهُوَ الْإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللَّهِ بِمَا أَوْجَبَ لِلْفَقِيرِ عَلَى الْغَنِيِّ مِنْ إِخْرَاجِ جُزْءٍ نَزَرَ مِنْ مَالِهِ فِي السَّنَةِ لِلضُّعَفَاءِ وَالْمَحَاوِيجِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ فِي آيَةِ الزَّكَاةِ مِنْ سُورَةِ التوبة.
وقوله وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ [الحج: ٧٨] أَيِ اعْتَضِدُوا بِاللَّهِ وَاسْتَعِينُوا بِهِ وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ وَتَأَيَّدُوا بِهِ هُوَ مَوْلاكُمْ أَيْ حَافِظُكُمْ وَنَاصِرُكُمْ وَمُظَفِّرِكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ
يَعْنِي نِعْمَ الْوَلِيُّ وَنِعْمَ النَّاصِرُ مِنَ الْأَعْدَاءِ. قَالَ وُهَيْبُ بْنُ الْوَرْدِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي إِذَا غَضِبْتَ، أَذْكُرُكَ إِذَا غَضِبْتُ فَلَا أَمْحَقُكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ، وَإِذَا ظُلِمْتَ فَاصْبِرْ وَارْضَ بِنُصْرَتِي، فَإِنَّ نُصْرَتِي لَكَ خَيْرٌ مِنْ نُصْرَتِكَ لِنَفْسِكَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، والله اعلم.
آخر تفسير سورة الحج ولله الحمد والمنة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute