يقول تعالى مخبرا عن الذين ظلموا أنفسهم عند معاينة العذاب: ﴿رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾ كقوله ﴿حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٩] الآية، وقال تعالى ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ﴾ [المنافقون: ٩] الآيتين، وقال تعالى مخبرا عنهم في حال محشرهم ﴿وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ﴾ [السجدة: ١٢] الآية، وقال: ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا﴾ [الأنعام: ٢٧] الآية، وقال تعالى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها﴾ [فاطر: ٣٧] الآية، قال تعالى ردا عليهم في قولهم هذا ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ﴾ أي أو لم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحالة أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه وأنه لا معاد ولا جزاء فذوقوا هذا بذلك.
قال مجاهد وغيره ﴿ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ﴾ أي ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة، كقوله ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ [النحل: ٣٨] الآية، ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ﴾ أي قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذبة قبلكم ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر، ولم يكن فيما أوقعنا بهم لكم مزدجر ﴿حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ﴾ [القمر: ٥].
وقد روى شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن أن عليا ﵁ قال في هذه الآية ﴿وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ﴾ قال: أخذ ذاك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين صغيرين، فرباهما حتى استغلظا واستفحلا وشبا، قال: فأوثق رجل كل واحد منهما بوتد إلى تابوت وجوعهما، وقعد هو ورجل آخر في التابوت، قال: ورفع في التابوت عصا على رأسه اللحم فطارا، وجعل يقول لصاحبه: انظر ما ترى؟ قال: أرى كذا وكذا حتى قال أرى الدنيا كلها كأنها ذباب. قال: فصوب العصا، فصوبها فهبطا جميعا، قال: فهو قوله ﷿: «وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال».
قال أبو إسحاق: وكذلك هي في قراءة عبد الله «وإن كاد مكرهم» قلت: وكذا روي عن أبي بن كعب وعمر بن الخطاب ﵄ أنهما قرءا «وإن كاد» كما قرأ علي، وكذا رواه