قال ﵎: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ أي إنما كان مخالفتهم للحق بعد بلوغه إليهم وقيام الحجة عليهم وما حملهم على ذلك إلا البغي والعناد والمشقة ثم قال ﷿: ﴿وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ أي لولا الكلمة السابقة من الله تعالى بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد لعجل عليهم العقوبة في الدنيا سريعا. وقوله جلت عظمته: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ يعني الجيل المتأخر بعد القرن الأول المكذب للحق ﴿لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ أي ليسوا على يقين من أمرهم وإيمانهم وإنما هم مقلدون لآبائهم وأسلافهم بلا دليل ولا برهان وهم في حيرة من أمرهم وشك مريب وشقاق بعيد.
اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات كل منها منفصلة عن التي قبلها حكم برأسه، قالوا: ولا نظير لها سوى آية الكرسي، فإنها أيضا عشرة فصول كهذه. وقوله:
﴿فَلِذلِكَ فَادْعُ﴾ أي فللذي أوحينا إليك من الدين الذي وصينا به جميع المرسلين قبلك، أصحاب الشرائع الكبار المتبعة كأولي العزم وغيرهم فادع الناس إليه. وقوله ﷿:
﴿وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ﴾ أي واستقم أنت ومن اتبعك على عبادة الله تعالى كما أمركم الله ﷿، وقوله تعالى: ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ﴾ يعني المشركين فيما اختلفوا فيه وكذبوه وافتروه من عبادة الأوثان.
وقوله جل وعلا: ﴿وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ﴾ أي صدقت بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء لا نفرق بين أحد منهم. وقوله: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ أي في الحكم كما أمرني الله، وقوله جلت عظمته: ﴿اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ﴾ أي هو المعبود لا إله غيره فنحن نقر بذلك اختيارا وأنتم وإن لم تفعلوه اختيارا فله يسجد من في العالمين طوعا واختيارا. وقوله ﵎: ﴿لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ﴾ أي نحن برآء منكم، كما قال ﷾:
﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ٤١] وقوله تعالى: ﴿لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ﴾ قال مجاهد: أي لا خصومة. قال السدي:
وذلك قبل نزول آية السيف، وهذا متجه لأن هذه الآية مكية، وآية السيف بعد الهجرة. وقوله ﷿: ﴿اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا﴾ أي يوم القيامة، كقوله: ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتّاحُ الْعَلِيمُ﴾ وقوله جل وعلا: ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ أي المرجع والمآب يوم الحساب.