يقول تعالى: ﴿حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ يعني القرآن منزل من الرحمن الرحيم كقوله: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ [النحل: ١٠٢] وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٤] وقوله ﵎: ﴿كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ﴾ أي بينت معانيه وأحكمت أحكامه ﴿قُرْآناً عَرَبِيًّا﴾ أي في حال كونه قرآنا عربيا بينا واضحا فمعانيه مفصلة وألفاظه واضحة غير مشكلة كقوله تعالى:
﴿كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١] أي هو معجز من حيث لفظه ومعناه ﴿لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢].
وقوله تعالى: ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أي إنما يعرف هذا البيان والوضوح العلماء الراسخون ﴿بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ أي تارة يبشر المؤمنين وتارة ينذر الكافرين ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ أي أكثر قريش فهم لا يفهمون منه شيئا مع بيانه ووضوحه ﴿وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ﴾ أي في غلف مغطاة ﴿مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ﴾ أي صمم عما جئتنا به ﴿وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ﴾ فلا يصل إلينا شيء مما تقوله ﴿فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ﴾ أي اعمل أنت على طريقتك ونحن على طريقتنا لا نتابعك.
قال الإمام العالم عبد بن حميد في مسنده: حدثني ابن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح عن الزيال بن حرملة الأسدي عن جابر بن عبد الله ﵁ قال: اجتمعت قريش يوما فقالوا انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه فقالوا ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة، فقالوا أنت يا أبا الوليد فأتاه عتبة فقال: يا محمد أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله ﷺ فقال أنت خير أم عبد المطلب، فسكت رسول الله ﷺ فقال إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سخلة (١) قط أشأم على قومك منك،