للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحتمل أن سلمان رضي الله عنه أَرَادَ بِهَذَا أَنَّ الَّذِينَ يَأْتُونَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أعظم فسادا من الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَنَّهُ عَنَى أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ مِمَّنْ تِلْكَ صِفَتُهُ أَحَدٌ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فَأَهْلُ النِّفَاقِ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بِمَعْصِيَتِهِمْ فِيهَا رَبَّهُمْ وَرُكُوبِهِمْ فِيهَا مَا نَهَاهُمْ عَنْ رُكُوبِهِ وَتَضْيِيعِهِمْ فَرَائِضَهُ وَشَكِّهِمْ فِي دِينِهِ الَّذِي لَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ عَمَلٌ إِلَّا بِالتَّصْدِيقِ بِهِ وَالْإِيقَانِ بِحَقِيقَتِهِ وَكَذِبِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ بِدَعْوَاهُمْ غَيْرَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ وَمُظَاهَرَتُهُمْ أَهْلَ التَّكْذِيبِ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ إِذَا وَجَدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا فَذَلِكَ إِفْسَادُ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأَرْضِ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ مُصْلِحُونَ فِيهَا. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ، فَإِنَّ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ اتِّخَاذَ الْمُؤْمِنِينَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ [الْأَنْفَالِ: ٧٣] فَقَطَعَ اللَّهُ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ المؤمنين والكافرين كَمَا قَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً [النِّسَاءِ: ١٤٤- ١٤٥] فَالْمُنَافِقُ لَمَّا كَانَ ظَاهِرُهُ الْإِيمَانُ اشْتَبَهَ أَمْرُهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَكَأَنَّ الْفَسَادَ مِنْ جِهَةِ الْمُنَافِقِ حَاصِلٌ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي غَرَّ الْمُؤْمِنِينَ، بِقَوْلِهِ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَوَالَى الْكَافِرِينَ عَلَى المؤمنين، ولو أنه استمر على حاله الأول لَكَانَ شَرُّهُ أَخَفَّ، وَلَوْ أَخْلَصَ الْعَمَلَ لِلَّهِ وتطابق قوله وعمله لأفلح ونجح، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَيْ نُرِيدُ أَنْ نُدَارِيَ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَنَصْطَلِحَ مَعَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَيْ إِنَّمَا نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ «١» . يَقُولُ اللَّهُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ يَقُولُ: أَلَا إِنَّ هَذَا الَّذِي يَعْتَمِدُونَهُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ إِصْلَاحٌ هُوَ عَيْنُ الْفَسَادِ وَلَكِنْ مِنْ جَهْلِهِمْ لَا يشعرون بكونه فسادا.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٣]]

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣)

يقول تَعَالَى وَإِذَا قِيلَ لِلْمُنَافِقِينَ: آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ أَيْ كَإِيمَانِ النَّاسِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَعَنْهُ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَتَرْكِ الزَّوَاجِرِ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ يَعْنُونَ- لَعَنَهُمُ اللَّهُ- أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالسُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ يَقُولُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بن


(١) بهذا الإسناد أخرجه الطبري في تفسيره ١/ ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>