للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ فِي الدُّنْيَا بُيُوعًا وَخِلَالًا يَتَخَالُّونَ بِهَا فِي الدنيا، فينظر رجل من يخالل وعلام يصاحب، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فَلْيُدَاوِمْ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ الله فيسقطع عَنْهُ، قُلْتُ: وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ أَحَدًا بَيْعٌ وَلَا فِدْيَةٌ، وَلَوِ افْتَدَى بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَبًا لَوْ وجده، ولا تنفعه صَدَاقَةُ أَحَدٍ وَلَا شَفَاعَةُ أَحَدٍ إِذَا لَقِيَ اللَّهَ كَافِرًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [الْبَقَرَةِ: ١٢٣] وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة: ٢٥٤] .

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٣٢ الى ٣٤]

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)

يُعَدِّدُ تَعَالَى نِعَمَهُ عَلَى خَلْقِهِ بِأَنْ خَلَقَ لهم السموات سقفا محفوظا والأرض فرشا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى مَا بَيْنَ ثِمَارٍ وَزُرُوعٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَلْوَانِ وَالْأَشْكَالِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ وَالْمَنَافِعِ. وَسَخَّرَ الْفُلْكَ بِأَنْ جَعْلَهَا طَافِيَةً عَلَى تَيَّارِ مَاءِ الْبَحْرِ تَجْرِي عَلَيْهِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَخَّرَ البحر لحملها لِيَقْطَعَ الْمُسَافِرُونَ بِهَا مِنْ إِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ آخَرَ لِجَلْبِ مَا هُنَا إِلَى هُنَاكَ، وَمَا هناك إلى هنا، وَسَخَّرَ الْأَنْهَارَ تَشُقُّ الْأَرْضَ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ رِزْقًا لِلْعِبَادِ مَنْ شُرْبٍ وَسَقْيٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَافِعِ.

وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ أي يسيران لا يفتران لَيْلًا وَلَا نَهَارًا لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: ٤٠] يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [الْأَعْرَافِ: ٥٤] فَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَتَعَاقَبَانِ، وَاللَّيْلُ والنهار يتعارضان، فَتَارَةً يَأْخُذُ هَذَا مِنْ هَذَا فَيَطُولُ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْآخَرُ مِنْ هَذَا فَيَقْصُرُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى [فاطر: ١٣] أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزُّمَرِ: ٥] .

وَقَوْلُهُ وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ بقول هيأ لكم مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ مِمَّا تسألونه بحالكم. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَمَا لَمْ تَسْأَلُوهُ، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها يخبر تعالى عن عجز لعباد عَنْ تَعْدَادِ النِّعَمِ فَضْلًا عَنِ الْقِيَامِ بِشُكْرِهَا، كَمَا قَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّ حَقَّ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>