حتى أنساهم أن يذكروا الله ﷿، وكذلك يصنع بمن استحوذ عليه، ولهذا قال أبو داود:
حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زائدة، حدثنا السائب بن حبيش عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية»(١) قال زائدة: قال السائب: يعني الصلاة في الجماعة. ثم قال تعالى: ﴿أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ﴾ يعني الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ثم قال تعالى: ﴿أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾.
يقول تعالى مخبرا عن الكفار المعاندين المحادين لله ورسوله، يعني الذين هم في حد والشرع في حد، أي مجانبون للحق مشاقون له هم في ناحية والهدى في ناحية ﴿أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ أي في الأشقياء المبعدين المطرودين عن الصواب الأذلين في الدنيا والآخرة. ﴿كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ أي قد حكم وكتب في كتابه الأول وقدره الذي لا يخالف ولا يمانع ولا يبدل، بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة و ﴿إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ كما قال تعالى: ﴿إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ﴾ [غافر:
٥١ - ٥٢].
وقال هاهنا: ﴿كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ أي كتب القوي العزيز أنه الغالب لأعدائه، وهذا قدر محكم وأمر مبرم أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والآخرة ثم قال تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ أي لا يوادّون المحادّين ولو كانوا من الأقربين كما قال تعالى: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: ٢٨] الآية.