الخلائق إليه، أي كتب الأعمال والآجال والأرزاق، ثم الخلائق ماشون على ذلك لا يحيدون عنه ولا يقدر أحد على الخروج منه.
يقول ربنا الذي خلق الخلق وقدر القدر وجبل الخليفة على ما أراد ﴿قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى﴾ أصح الأقوال في معنى ذلك أن فرعون لما أخبره موسى بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق، وقدر فهدى، شرع يحتج بالقرون الأولى، أي الذين لم يعبدوا الله، أي فما بالهم إذا كان الأمر كذلك لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره، فقال له موسى في جواب ذلك، هم وإن لم يعبدوه فإن عملهم عند الله مضبوط عليهم، وسيجزيهم بعملهم في كتاب الله، وهو اللوح المحفوظ وكتاب الأعمال ﴿لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى﴾ أي لا يشذ عنه شيء، ولا يفوته صغير ولا كبير، ولا ينسى شيئا يصف علمه تعالى بأنه بكل شيء محيط، وأنه لا ينسى شيئا، ﵎ وتقدس وتنزه، فإن علم المخلوق يعتريه نقصانان: أحدهما عدم الإحاطة بالشيء، والآخر نسيانه بعد علمه، فنزه نفسه عن ذلك.
هذا من تمام كلام موسى فيما وصف به ربه ﷿ حين سأله فرعون عنه، فقال: ﴿الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾ ثم اعترض الكلام بين ذلك، ثم قال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً﴾ وفي قراءة بعضهم مهادا أي قرارا تستقرون عليها، وتقومون وتنامون عليها، وتسافرون على ظهرها ﴿وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً﴾ أي جعل لكم طرقا تمشون في مناكبها كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣١] ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتّى﴾ أي من أنواع النباتات من زروع وثمار، ومن حامض وحلو ومر وسائر الأنواع ﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ﴾ أي شيء لطعامكم وفاكهتكم، وشيء لأنعامكم لأقواتها خضرا ويابسا ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ﴾ أي لدلالات وحججا وبراهين ﴿لِأُولِي النُّهى﴾ أي لذوي العقول السليمة المستقيمة، على أنه لا إله إلا الله ولا رب سواه ﴿مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى﴾ أي من الأرض مبدؤكم، فإن أباكم آدم مخلوق من تراب من أديم الأرض وفيها نعيدكم أي وإليها تصيرون إذا متم وبليتم، ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً﴾ [الإسراء: ٥٢] وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ﴾ [الأعراف: ٢٥] وفي الحديث الذي في السنن أن رسول الله ﷺ حضر جنازة، فلما دفن الميت أخذ قبضة من التراب فألقاها في القبر وقال: منها خلقناكم، ثم أخذ أخرى، وقال: وفيها نعيدكم، ثم أخرى، وقال: ومنها نخرجكم تارة أخرى. وقوله: ﴿وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى﴾ يعني فرعون أنه قامت