للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٢] وقوله تعالى: ﴿أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ تقدم تفسيرها في سورة الطور، والمعنى في ذلك أنك يا محمد تدعوهم إلى الله ﷿ بلا أجر تأخذه منهم، بل ترجو ثواب ذلك عند الله تعالى، وهم يكذبون بما جئتهم به بمجرد الجهل والكفر والعناد.

[[سورة القلم (٦٨): الآيات ٤٨ إلى ٥٢]]

﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢)

يقول تعالى: ﴿فَاصْبِرْ﴾ يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم، فإن الله سيحكم لك عليهم ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة ﴿وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ﴾ يعني ذا النون وهو يونس بن متى حين ذهب مغاضبا على قومه، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير الذي لا يرد ما أنفذه من التقدير فحينئذ نادى في الظلمات ﴿أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧] قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٨] وقال تعالى: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: ١٤٣ - ١٤٤] وقال هاهنا: ﴿إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ قال ابن عباس ومجاهد والسدي: وهو مغموم.

وقال عطاء الخراساني وأبو مالك: مكروب وقد قدمنا في الحديث أنه لما قال: ﴿لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٨] خرجت الكلمة تحفّ حول العرش فقالت الملائكة: يا رب هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة، فقال الله : أما تعرفون هذا؟ قالوا: لا، قال: هذا يونس، قالوا: يا رب عبدك الذي لا يزال يرفع له عمل صالح ودعوة مجابة؟ قال: نعم، قالوا: أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء فتنجيه من البلاء فأمر الله الحوت فألقاه بالعراء، ولهذا قال تعالى: ﴿فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾.

وقد قال الإمام أحمد (١): حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله : «لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى» (٢) ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة، وقوله تعالى:


(١) المسند ١/ ٣٩٠.
(٢) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ٢٤، ٣٥، وتفسير سورة ٤ باب ٦، وسورة ٦، باب ٤، والتوحيد باب د، وأبو داود في السنة باب ١٣، والترمذي في الصلاة باب ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>