للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس هو من النسك في شيء» (١) أخرجاه، فلهذا قال الشافعي وجماعة من العلماء:

إن أول وقت ذبح الأضاحي إذا طلعت الشمس يوم النحر ومضى قدر صلاة العيد والخطبتين، زاد أحمد: وأن يذبح الإمام بعد ذلك لما جاء في صحيح مسلم: وأن لا تذبحوا حتى يذبح الإمام. وقال أبو حنيفة: أما أهل السواد من القرى ونحوهم فلهم أن يذبحوا بعد طلوع الفجر إذ لا صلاة عيد تشرع عنده لهم. وأما أهل الأمصار فلا يذبحوا حتى يصلي الإمام، والله أعلم.

ثم قيل: لا يشرع بالذبح إلا يوم النحر وحده. وقيل: يوم النحر لأهل الأمصار لتيسر الأضاحي عندهم، وأما اهل القرى فيوم النحر وأيام التشريق بعده، وبه قال سعيد بن جبير.

وقيل: يوم النحر ويوم بعده للجميع، وقيل: ويومان بعده، وبه قال الإمام أحمد. وقيل: يوم النحر وثلاثة أيام التشريق بعده، وبه قال الشافعي لحديث جبير بن مطعم أن رسول الله قال: «أيام التشريق كلها ذبح» رواه أحمد (٢) وابن حبان.

وقيل: إن وقت الذبح يمتد إلى آخر ذي الحجة، وبه قال إبراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وهو قول غريب. وقوله: ﴿كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ يقول تعالى من أجل هذا ﴿سَخَّرْناها لَكُمْ﴾ أي ذللناها لكم، وجعلناها منقادة لكم خاضعة، إن شئتم ركبتم، وإن شئتم حلبتم، وإن شئتم ذبحتم، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ﴾ -إلى قوله- ﴿أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: ٧١ - ٧٣] وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.

[[سورة الحج (٢٢): آية ٣٧]]

﴿لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧)

يقول تعالى: إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا لتذكروه عند ذبحها، فإنه الخالق الرزاق لا يناله شيء من لحومها ولا دمائها، فإنه تعالى هو الغني عما سواه وقد كانوا في جاهليتهم إذا ذبحوها لآلهتهم وضعوا عليها من لحوم قرابينهم، ونضحوا عليها من دمائها، فقال تعالى: ﴿لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها﴾. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن أبي حماد، حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج قال: كان أهل الجاهلية ينضحون البيت بلحوم الإبل ودمائها، فقال أصحاب رسول الله : فنحن أحق أن ننضح، فأنزل الله ﴿لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ﴾ أي يتقبل ذلك ويجزي عليه، كما جاء في الصحيح «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى


(١) أخرجه البخاري في العيدين باب ٨، ١٠، ومسلم في الأضاحي حديث ٧.
(٢) المسند ٤/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>