للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة سبإ (٣٤): الآيات ٢٤ إلى ٢٧]]

﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)

يقول تعالى مقررا تفرده بالخلق والرزق وانفراده بالإلهية أيضا، فكما كانوا يعترفون بأنهم لا يرزقهم من السماء والأرض، أي بما ينزل من المطر وينبت من الزرع إلا الله، فكذلك فليعلموا أنه لا إله غيره. وقوله تعالى: ﴿وَإِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ هذا من باب اللف والنشر أي واحد من الفريقين مبطل، والآخر محق لا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال، بل واحد منا مصيب، ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله تعالى، ولهذا قال: ﴿وَإِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾. قال قتادة: قد قال ذلك أصحاب محمد للمشركين والله ما نحن وإياهم على أمر واحد إن أحد الفريقين لمهتد (١). وقال عكرمة وزياد بن أبي مريم: معناها إنا نحن لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين (٢).

وقوله تعالى: ﴿قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ معناه التبري منهم، أي لستم منا ولا نحن منكم، بل ندعوكم إلى الله تعالى وإلى توحيده وإفراد العبادة له، فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم، وإن كذبتم فنحن برآء منكم وأنتم برآء منا، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس:٤١]. وقال ﷿: ﴿قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: ١ - ٦].

وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا﴾ أي يوم القيامة يجمع بين الخلائق في صعيد واحد، ثم يفتح بيننا بالحق، أي يحكم بيننا بالعدل، فيجزي كل عامل بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وستعلمون يومئذ لمن العزة والنصر والسعادة الأبدية كما قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ﴾ [الروم: ١٤ - ١٦] ولهذا قال ﷿: ﴿وَهُوَ الْفَتّاحُ الْعَلِيمُ﴾ أي الحاكم العادل العالم بحقائق الأمور.

وقوله : ﴿قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ﴾ أي أروني هذه الآلهة التي جعلتموها لله أندادا وصيرتموها له عدلا ﴿كَلاّ﴾ أي ليس له نظير ولا نديد ولا شريك ولا عديل. ولهذا قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ اللهُ﴾ أي الواحد الأحد الذي لا شريك له ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾


(١) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٣٧٥، ٣٧٦.
(٢) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٣٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>