للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أين المتكبرون؟ (١) وقوله ﴿وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً﴾ أي شديدا صعبا، لأنه يوم عدل وقضاء فصل، كما قال تعالى: ﴿فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ [المدثر: ٩ - ١٠] فهذا حال الكافرين في هذا اليوم، وأما المؤمنون فكما قال تعالى: ﴿لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء:١٠٣] الآية.

وروى الإمام أحمد (٢): حدثنا حسين بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قيل يا رسول الله ﴿يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ ما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله «والذي نفسي بيده، إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا».

وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾، يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول ، وما جاء به من عند الله من الحق المبين الذي لا مرية فيه، وسلك طريقا أخرى غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم، وعض على يديه حسرة وأسفا، وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ﴾ [الأحزاب: ٦٦ - ٦٨] الآيتين، فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، ويعض على يديه قائلا ﴿يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً﴾ يعني من صرفه عن الهدى وعدل به إلى طريق الضلال من دعاة الضلالة، وسواء في ذلك أمية بن خلف أو أخوه أبي بن خلف أو غيرهما، ﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ﴾ وهو القرآن ﴿بَعْدَ إِذْ جاءَنِي﴾ أي بعد بلوغه إليّ، قال الله تعالى: ﴿وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً﴾ أي يخذله عن الحق ويصرفه عنه، ويستعمله في الباطل ويدعوه إليه.

[[سورة الفرقان (٢٥): الآيات ٣٠ إلى ٣١]]

﴿وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اِتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١)

يقول تعالى مخبرا عن رسوله ونبيه محمد أنه قال «يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا» وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه، كما قال تعالى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦] الآية، فكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعوه. فهذا من هجرانه وترك الإيمان به وترك


(١) أخرجه مسلم في المنافقين حديث ٢٤، وأبو داود في السنة باب ١٩، وابن ماجة في المقدمة باب ١٤، والزهد باب ٣٣.
(٢) المسند ٣/ ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>