للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ يَكُونُ لِلشَّيْءِ أَسْمَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ كَالْمُتَرَادِفَةِ وَقَدْ يكون الاسم واحدا والمسميات متعددة المشترك وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى تَغَايُرِ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى وَأَيْضًا فَالِاسْمُ لَفْظٌ وَهُوَ عَرَضٌ وَالْمُسَمَّى قَدْ يَكُونُ ذَاتًا مُمْكِنَةً أَوْ وَاجِبَةً بِذَاتِهَا وَأَيْضًا فَلَفْظُ النَّارِ وَالثَّلْجِ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُسَمَّى لَوَجَدَ اللَّافِظُ بِذَلِكَ حَرَّ النَّارِ أَوْ بَرْدَ الثَّلْجِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا» فَهَذِهِ أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ أَضَافَهَا إِلَيْهِ كَمَا قَالَ: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ونحو ذلك فالإضافة تقتضي المغايرة وقوله تعالى: فَادْعُوهُ بِها أَيْ فَادْعُوا اللَّهَ بِأَسْمَائِهِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُهُ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ والمتبارك هو الله تعالى وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْمَ مُعَظَّمٌ لِتَعْظِيمِ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَيْضًا فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ زَيْنَبُ طَالِقٌ يَعْنِي امرأته طُلِّقَتْ وَلَوْ كَانَ الِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى لَمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الذَّاتَ الْمُسَمَّاةَ بِهَذَا الِاسْمِ طَالِقٌ. قَالَ الرَّازِيُّ: وَأَمَّا التسمية فإنه جَعْلُ الِاسْمِ مُعَيَّنًا لِهَذِهِ الذَّاتِ فَهِيَ غَيْرُ الاسم أيضا والله أعلم.

[القول في تأويل اللَّهِ]

عَلَمٌ عَلَى الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يُقَالُ إِنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الْحَشْرِ: ٢٢- ٢٤] فَأَجْرَى الْأَسْمَاءَ الْبَاقِيَةَ كلها صفات لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الأعراف: ١٨] وَقَالَ تَعَالَى:

قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الْإِسْرَاءِ: ١١٠] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَجَاءَ تَعْدَادُهَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، وَبَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ اختلاف زيادة ونقصان وقد ذكر الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ لِلَّهِ خَمْسَةَ آلَافِ اسْمٍ: أَلْفٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَأَلْفٌ فِي التَّوْرَاةِ وَأَلْفٌ فِي الْإِنْجِيلِ، وَأَلْفٌ فِي الزَّبُورِ وَأَلْفٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ.

وَهُوَ اسْمٌ لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلِهَذَا لَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ له اشتقاق من فعل يفعل، فَذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ النُّحَاةِ إِلَى أَنَّهُ اسم جامد لا اشتقاق له، وقد نقله الْقُرْطُبِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ والخطابي وإمام الحرمين والغزالي وغيره وَرُوِيَ عَنِ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِيهِ لَازِمَةٌ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ يَا اللَّهُ وَلَا تَقُولُ يَا الرَّحْمَنُ، فَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْكَلِمَةِ لَمَا جَازَ إِدْخَالُ حَرْفِ النِّدَاءِ عَلَى الْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَقِيلَ إِنَّهُ مُشْتَقٌّ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِ رُؤْبَةَ بْنِ العجاج: [الرجز]

<<  <  ج: ص:  >  >>