عمرو في قوله ﴿اِتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ﴾ قال مع محمد ﷺ وأصحابه، وقال الضحاك مع أبي بكر وعمر وأصحابهما (١)، وقال الحسن البصري إن أردت أن تكون مع الصادقين فعليك بالزهد في الدنيا والكف عن أهل الملة.
يعاتب ﵎ المتخلفين عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب، ورغبتهم بأنفسهم عن مواساته فيما حصل له من المشقة، فإنهم نقصوا أنفسهم من الأجر لأنهم ﴿لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ﴾ وهو العطش ﴿وَلا نَصَبٌ﴾ وهو التعب ﴿وَلا مَخْمَصَةٌ﴾ وهي المجاعة ﴿وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ﴾. أي ينزلون منزلا يرهب عدوهم ﴿وَلا يَنالُونَ﴾ منه ظفرا وغلبة عليه ﴿إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ﴾ بهذه الأعمال التي ليست داخلة تحت قدرهم وإنما هي ناشئة عن أفعالهم أعمالا صالحة وثوابا جزيلا ﴿إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ كقوله ﴿إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾ [الكهف: ٣٠].
يقول تعالى: ﴿وَلا يُنْفِقُونَ﴾ هؤلاء الغزاة في سبيل الله ﴿نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً﴾ أي قليلا ولا كثيرا ﴿وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً﴾ أي في السير إلى الأعداء ﴿إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ﴾ ولم يقل هاهنا به، لأن هذه أفعال صادرة عنهم، ولهذا قال: ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وقد حصل لأمير المؤمنين عثمان بن عفان ﵁ من هذه الآية الكريمة حظ وافر ونصيب عظيم، وذلك أنه أنفق في هذه الغزوة النفقات الجليلة والأموال الجزيلة، كما قال عبد الله ابن الإمام أحمد:
حدثنا أبو موسى العنزي، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني سليمان بن المغيرة، حدثني الوليد بن أبي هشام، عن فرقد أبي طلحة، عن عبد الرحمن بن خباب السلمي، قال:
خطب رسول الله ﷺ فحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان ﵁: عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها، قال ثم حث، فقال عثمان: عليّ مائة بعير أخرى بأحلاسها وأقتابها، قال ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث، فقال عثمان بن عفان: عليّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها. قال: فرأيت رسول الله ﷺ قال بيده هكذا يحركها، وأخرج عبد الصمد يده