للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما في مقابلة إحسانهما المتقدم، قال: ﴿وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما﴾ أي وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين، فإياك وإياهما، فلا تطعهما في ذلك، فإن مرجعكم إليّ يوم القيامة، فأجزيك بإحسانك إليهما وصبرك على دينك، وأحشرك مع الصالحين لا في زمرة والديك، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا، فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب أي حبا دينيا، ولهذا قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصّالِحِينَ﴾.

وقال الترمذي عند تفسير هذه الآية: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن أبيه سعد قال: نزلت فيّ أربع آيات، فذكر قصته وقال: قالت أم سعد: أليس الله قد أمرك بالبر؟ والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها، فنزلت ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما﴾ (١) الآية، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضا. وقال الترمذي حسن صحيح.

[[سورة العنكبوت (٢٩): الآيات ١٠ إلى ١١]]

﴿وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنّا كُنّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١)

يقول تعالى مخبرا عن صفات قوم من المكذبين الذين يدعون الإيمان بألسنتهم ولم يثبت الإيمان في قلوبهم، بأنهم إذا جاءتهم محنة وفتنة في الدنيا اعتقدوا أن هذا من نقمة الله تعالى بهم، فارتدوا عن الإسلام، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللهِ﴾ قال ابن عباس: يعني فتنته أن يرتد عن دينه إذا أو ذي في الله (٢)، وكذا قال غيره من علماء السلف، وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ﴾ -إلى قوله- ﴿ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ﴾ [الحج: ١١].

ثم قال ﷿: ﴿لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنّا كُنّا مَعَكُمْ﴾ أي ولئن جاء نصر قريب من ربك يا محمد، وفتح ومغانم، ليقولن هؤلاء لكم: إنا كنا معكم، أي إخوانكم في الدين، كما قال تعالى:


(١) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث ٤٤، والترمذي في تفسير سورة ٢٩، باب ١، وأحمد في المسند ١/ ١٨١، ١٨٦.
(٢) انظر تفسير الطبري ١٠/ ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>