للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلام «من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائنا من كان» وهذا قول الجمهور، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد منهم إمام الحرمين، وقالت الكرامية (١) يجوز اثنان فأكثر، كما كان علي ومعاوية إمامين (٢) واجبي الطاعة، قالوا: وإذا جاز بعث نبيين في وقت واحد وأكثر جاز ذلك في الإمام لأن النبوة أعلى رتبة بلا خلاف. وحكى إمام الحرمين عن الأستاذ أبي إسحاق أنه جوز نصب إمامين فأكثر إذا تباعدت الأقطار واتسعت الأقاليم بينهما، وتردد إمام الحرمين في ذلك. قلت: وهذا يشبه حال الخلفاء بني العباس بالعراق والفاطميين بمصر والأمويين بالمغرب ولنقرر هذا كله في موضع آخر من كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى (٣).

[[سورة البقرة (٢): الآيات ٣١ إلى ٣٣]]

﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣)

هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم، وهذا كان بعد سجودهم له؛ وإنما قدم هذا الفصل على ذلك لمناسبة ما بين المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليفة حين سألوا عن ذلك، فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون، ولهذا ذكر الله هذا المقام عقيب هذا ليبين لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في العلم فقال تعالى:

﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾.

قال السدي عمن حدثه عن ابن عباس ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾ قال: علمه أسماء ولده إنسانا إنسانا والدواب فقيل: هذا الحمار، هذا الجمل، هذا الفرس. وقال الضحاك عن ابن عباس ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾ قال: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة وسماء وأرض وسهل وبحر وخيل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث عاصم بن كليب عن سعيد بن معبد عن ابن عباس ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾


(١) الكرامية: فرقة من أهل السنة تنسب إلى محمد بن كرام الذي نشأ في سجستان وتوفي ببيت المقدس سنة ٨٦٩ م. والكرامية مجسمون يذهبون إلى أن الله محدود من جهة العرش، وأن شيئا لا يحدث في العالم قبل حدوث أعراض في ذاته. تعددت فروعهم دون اختلاف في الأصول، وعرفوا بالزهد والتقوى، وكثر أتباعهم في خراسان وما وراء النهر وبيت القدس حتى أوائل القرن الثالث عشر.
(٢) الحال أن معاوية لم يدّع الإمامة لنفسه وإنما ادّعى ولاية الشام.
(٣) بسط القرطبي هذه الأمور المتعلقة بالإمام في تفسيره ١/ ٢٦١ - ٢٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>