للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على قومهم، رواه ابن جرير (١)، ثم قال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا الحجاج عن ابن جريج قوله ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ﴾ أي ماذا عملوا بعدكم وماذا أحدثوا بعدكم؟ قالوا ﴿لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ﴾ وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ﴾ يقولون للرب ﷿: لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا، رواه ابن جرير (٢)، ثم اختاره على هذه الأقوال الثلاثة، ولا شك أنه قول حسن، وهو من باب التأدب مع الرب ، أي لا علم لنا بالنسبة إلى علمك المحيط بكل شيء، فنحن وإن كنا أجبنا وعرفنا من أجابنا، ولكن منهم من كنا إنما نطلع على ظاهره لا علم لنا بباطنه، وأنت العليم بكل شيء، المطلع على كل شيء، فعلمنا بالنسبة إلى علمك كلا علم، فإنك ﴿أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ﴾.

[[سورة المائدة (٥): الآيات ١١٠ إلى ١١١]]

﴿إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١١٠) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنّا وَاِشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١)

يذكر تعالى ما امتنّ به على عبده ورسوله عيسى ابن مريم مما أجراه على يديه من المعجزات الباهرات وخوارق العادات، فقال ﴿اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ﴾ أي في خلقي إياك من أم بلا ذكر، وجعلي إياك آية ودلالة قاطعة على كمال قدرتي على الأشياء، ﴿وَعَلى والِدَتِكَ﴾ حيث جعلتك لها برهانا على براءتها مما نسبه الظالمون والجاهلون إليها من الفاحشة، ﴿إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ وهو جبريل ، وجعلتك نبيا داعيا إلى الله في صغرك وكبرك، فأنطقتك في المهد صغيرا، فشهدت ببراءة أمك من كل عيب، واعترفت لي بالعبودية، وأخبرت عن رسالتي إياك ودعوت إلى عبادتي، ولهذا قال ﴿تُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً﴾ أي تدعو إلى الله الناس في صغرك وكبرك وضمّن تكلم تدعو، لأن كلامه الناس في كهولته ليس بأمر عجيب.

وقوله ﴿وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ أي الخط والفهم ﴿وَالتَّوْراةَ﴾ وهي المنزلة على موسى بن عمران الكليم، وقد يرد لفظ التوراة في الحديث، ويراد به ما هو أعم من ذلك.

وقوله ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي﴾ أي تصوره وتشكله على هيئة الطائر بإذني لك


(١) تفسير الطبري ٥/ ١٢٥.
(٢) هذا الأثر والذي قبله رواهما ابن جرير ٥/ ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>