للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة النبإ (٧٨): الآيات ١٧ إلى ٣٠]]

﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاّ حَمِيماً وَغَسّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً (٣٠)

يقول تعالى مخبرا عن يوم الفصل وهو يوم القيامة أنه مؤقت بأجل معدود لا يزاد عليه ولا ينقص منه ولا يعلم وقته على التعيين إلا الله ﷿ كما قال تعالى: ﴿وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾ [هود: ١٠٤] ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً﴾ قال مجاهد: زمرا زمرا، قال ابن جرير: يعني تأتي كل أمة مع رسولها، كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١].

وقال البخاري (١) ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً﴾ حدثنا محمد، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «ما بين النفختين أربعون» قالوا: أربعون يوما؟ قال «أبيت» قالوا: أربعون شهرا؟ قال «أبيت» قالوا: أربعون سنة؟ قال «أبيت» قال «ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة».

﴿وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً﴾ أي طرقا ومسالك لنزول الملائكة ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً﴾ كقوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ﴾ [النمل:٨٨] وكقوله تعالى: ﴿وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ﴾ [القارعة: ٥] وقال هاهنا: ﴿فَكانَتْ سَراباً﴾ أي يخيل إلى الناظر أنها شيء وليست بشيء وبعد هذا تذهب بالكلية فلا عين ولا أثر، كما قال تعالى: ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً﴾ [طه: ١٠٥ - ١٠٧]، وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً﴾ [الكهف: ٤٧] وقوله تعالى: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً﴾ أي مرصدة معدة ﴿لِلطّاغِينَ﴾ وهم المردة العصاة المخالفون للرسل ﴿مَآباً﴾ أي مرجعا ومنقلبا ومصيرا ونزلا. وقال الحسن وقتادة في قوله تعالى: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً﴾ يعني أنه لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز بالنار فإن كان معه جواز نجا وإلا احتبس، وقال سفيان الثوري: عليها ثلاث قناطر.

وقوله تعالى: ﴿لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً﴾ أي ماكثين فيها أحقابا وهي جمع حقب وهو المدة من الزمان، وقد اختلفوا في مقداره فقال ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن سفيان الثوري عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي بن أبي طالب لهلال الهجري: ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل؟ قال: نجده ثمانين سنة كل سنة اثنا عشر شهرا كل شهر ثلاثون يوما كل يوم ألف سنة، وهكذا روي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وابن عباس وسعيد بن جبير وعمرو بن ميمون والحسن وقتادة والربيع بن أنس والضحاك، وعن الحسن والسدي أيضا سبعون سنة كذلك، وعن عبد الله بن عمرو: الحقب أربعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون، رواهما ابن أبي حاتم.


(١) كتاب التفسير، تفسير سورة ٧٨، باب ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>