للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: ﴿يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ أي يعرف الأبناء الآباء والقرابات بعضهم لبعض كما كانوا في الدنيا ولكن كل مشغول بنفسه ﴿فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ﴾ [المؤمنون: ١٥١] الآية، وقال تعالى: ﴿وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً﴾ [المعارج: ١١] الآيات، وقوله: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ﴾ كقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات: ١٥] لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين ولا خسارة أعظم من خسارة من فرق بينه وبين أحبته يوم الحسرة والندامة.

[[سورة يونس (١٠): الآيات ٤٦ إلى ٤٧]]

﴿وَإِمّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧)

يقول تعالى مخاطبا لرسوله : ﴿وَإِمّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ أي ننتقم منهم في حياتك لتقر عينك منهم ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ﴾ أي مصيرهم ومنقلبهم والله شهيد على أفعالهم بعدك وقد قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا داود بن الجارود عن أبي السليل عن حذيفة بن أسيد عن النبي قال:

«عرضت عليّ أمتي البارحة لدى هذه الحجرة أولها وآخرها» فقال رجل: يا رسول الله عرض عليك من خلق فكيف من لم يخلق؟ فقال: «صوروا لي في الطين حتى أني لأعرف بالإنسان منهم من أحدكم بصاحبه» ورواه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن عقبة بن مكرم عن يونس بن بكير عن زياد بن المنذر عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد به نحوه.

وقوله: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ﴾ قال مجاهد: يعني يوم القيامة (١) ﴿قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ الآية، كقوله تعالى: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها﴾ [الزمر: ٦٩] الآية، فكل أمة تعرض على الله بحضرة رسولها وكتاب أعمالها من خير وشر موضوع شاهد عليهم وحفظتهم من الملائكة شهود أيضا أمة بعد أمة وهذه الأمة الشريفة وإن كانت آخر الأمم في الخلق إلا أنها أول الأمم يوم القيامة يفصل بينهم ويقضي لهم كما جاء في الصحيحين عن رسول الله أنه قال: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، المقضي يفصل لهم قبل الخلائق» (٢) فأمته إنما حازت قصب السبق بشرف رسولها صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين.


(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ٥٦٥.
(٢) أخرجه مسلم في الجمعة حديث ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>