عمرو بن عبد الله الأودي، حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة أنها قرأت هذه الآية ﴿فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ فقالت: اللهم من علينا وقنا عذاب السموم إنك أنت البر الرحيم. قيل للأعمش في الصلاة؟ قال: نعم.
يقول تعالى آمرا رسوله صلوات الله وسلامه عليه بأن يبلغ رسالته إلى عباده، وأن يذكرهم بما أنزل الله عليه، ثم نفى عنه ما يرميه به أهل البهتان والفجور فقال: ﴿فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ﴾ أي لست بحمد الله بكاهن كما تقوله الجهلة من كفار قريش، والكاهن الذي يأتيه الرئي من الجان بالكلمة يتلقاها من خبر السماء ﴿وَلا مَجْنُونٍ﴾ وهو الذي يتخبطه الشيطان من المس. ثم قال تعالى منكرا عليهم في قولهم في الرسول ﷺ ﴿أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ أي قوارع الدهر، والمنون الموت، يقولون ننظره ونصبر عليه حتى يأتيه الموت فنستريح منه ومن شأنه، قال الله تعالى: ﴿قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ﴾ أي انتظروا فإني منتظر معكم، وستعلمون لمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة.
قال محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس ﵄: أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي ﷺ قال قائل منهم: احتبسوه في وثاق ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من هلك قبله من الشعراء زهير والنابغة إنما هو كأحدهم، فأنزل الله تعالى ذلك من قولهم ﴿أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ (١).
ثم قال تعالى: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا﴾ أي عقولهم تأمرهم بهذا الذي يقولونه فيك من الأقاويل الباطلة التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ﴾ أي ولكن هم قوم طاغون ضلال معاندون، فهذا هو الذي يحملهم على ما قالوه فيك. وقوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ﴾ أي اختلقه وافتراه من عند نفسه يعنون القرآن، قال الله تعالى: ﴿بَلْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ أي كفرهم هو الذي يحملهم على هذه المقالة ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ﴾ أي إن كانوا صادقين في قولهم تقوله وافتراه، فليأتوا بمثل ما جاء به محمد ﷺ من هذا القرآن، فإنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الأرض من الجن والإنس ما جاءوا بمثله،