لذلك هو أوس بن قيظي، يعني اعتذروا في الرجوع إلى منازلهم بأنها عورة أي ليس دونها ما يحجبها من العدو، فهم يخشون عليها منهم، قال الله تعالى: ﴿وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ﴾ أي ليست كما يزعمون ﴿إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّ فِراراً﴾ أي هربا من الزحف.
يخبر تعالى عن هؤلاء الذين ﴿يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّ فِراراً﴾ أنهم لو دخل عليهم الأعداء من كل جانب من جوانب المدينة وقطر من أقطارها، ثم سئلوا الفتنة وهي الدخول في الكفر لكفروا سريعا، وهم لا يحافظون على الإيمان ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع، هكذا فسرها قتادة وعبد الرحمن بن زيد وابن جرير (١)، وهذا ذم لهم في غاية الذم، ثم قال تعالى يذكرهم بما كانوا عاهدوا الله من قبل هذا الخوف أن لا يولوا الأدبار ولا يفرون من الزحف.
﴿وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً﴾ أي وإن الله تعالى سيسألهم عن ذلك العهد لا بد من ذلك، ثم أخبرهم أن فرارهم ذلك لا يؤخر آجالهم ولا يطول أعمارهم بل ربما كان ذلك سببا في تعجيل أخذهم غرة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاّ قَلِيلاً﴾ أي بعد هربكم وفراركم ﴿قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى﴾ [النساء: ٧٧] ثم قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ﴾ أي يمنعكم ﴿إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً﴾ أي ليس لهم ولا لغيرهم من دون الله مجير ولا مغيث.
يخبر تعالى عن إحاطة علمه بالمعوقين لغيرهم عن شهود الحرب والقائلين لإخوانهم أي أصحابهم وعشرائهم وخلطائهم ﴿هَلُمَّ إِلَيْنا﴾ إلى ما نحن فيه من الإقامة في الظلال والثمار، وهم مع ذلك ﴿لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلاً أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾ أي بخلاء بالمودة والشفقة عليكم.