للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كبيرا، وبين ذلك ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ أي ولتفاوتهم في الدار الآخرة أكبر من الدنيا، فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها، ومنهم من يكون في الدرجات العليا ونعيمها وسرورها، ثم أهل الدركات يتفاتون في ما هم فيه، كما أن أهل الدرجات يتفاوتون، فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. وفي الصحيحين «إن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء» (١) ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ وفي الطبراني من رواية زاذان عن سلمان مرفوعا «ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة فارتفع، إلا وضعه الله في الآخرة أكبر منها» ثم قرأ ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾.

[[سورة الإسراء (١٧): آية ٢٢]]

﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (٢٢)

يقول تعالى، والمراد المكلفون من الأمة: لا تجعل أيها المكلف في عبادتك ربك له شريكا ﴿فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً﴾ أي على إشراكك به ﴿مَخْذُولاً﴾ لأن الرب تعالى لا ينصرك بل يكلك إلى الذي عبدت معه، وهو لا يملك لك ضرا ولا نفعا، لأن مالك الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له، وقد قال الإمام أحمد (٢): حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا بشير بن سلمان عن سيار أبي الحكم، عن طارق بن شهاب، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : «من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أرسل الله له بالغنى إما آجلا وإما غنى عاجلا» (٣) رواه أبو داود والترمذي من حديث بشير بن سلمان به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.

[[سورة الإسراء (١٧): الآيات ٢٣ إلى ٢٤]]

﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣) وَاِخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ اِرْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤)

يقول تعالى آمرا بعبادته وحده لا شريك له، فإن القضاء هاهنا بمعنى الأمر، قال مجاهد ﴿وَقَضى﴾ يعني وصى، وكذا قرأ أبي بن كعب وابن مسعود والضحاك بن مزاحم ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ﴾ ولهذا قرن بعبادته برّ الوالدين، فقال: ﴿وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾ أي وأمر بالوالدين إحسانا، كقوله في الآية الأخرى ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان:١٤].


(١) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ٨، والرقاق باب ٥١، ومسلم في الجنة حديث ١١.
(٢) المسند ١/ ٤٠٧.
(٣) أخرجه أبو داود في الزكاة باب ٢٨، والترمذي في الزهد باب ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>