﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ [المائدة: ٤٩] وعلى هذا تكون السوأى منصوبة مفعولا لأساؤوا، وقيل بل المعنى في ذلك ﴿ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى﴾ أي كانت السوأى عاقبتهم لأنهم كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون. فعلى هذا تكون السوأى منصوبة خبر كان، هذا توجيه ابن جرير، ونقله عن ابن عباس وقتادة، ورواه ابن أبي حاتم عنهما وعن الضحاك بن مزاحم، وهو الظاهر-والله أعلم-لقوله ﴿وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ﴾.
[[سورة الروم (٣٠): الآيات ١١ إلى ١٦]]
﴿اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦)﴾
يقول تعالى: ﴿اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أي كما هو قادر على بداءته فهو قادر على إعادته ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي يوم القيامة، فيجازي كل عامل بعمله. ثم قال ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾ قال ابن عباس: ييأس المجرمون، وقال مجاهد: يفتضح المجرمون، وفي رواية يكتئب المجرمون ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ﴾ أي ما شفعت فيهم الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى وكفروا بهم وخانوهم أحوج ما كانوا إليهم. ثم قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ قال قتادة: هي والله الفرقة التي لا اجتماع بعدها، يعني أنه إذا رفع هذا إلى عليين وخفض هذا إلى أسفل سافلين، فذلك آخر العهد بينهما، ولهذا قال تعالى:
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ قال مجاهد وقتادة: ينعمون.
وقال يحيى بن أبي كثير: يعني سماع الغناء والحبرة أعم من هذا كله، قال العجاج [رجز]:
فالحمد لله الذي أعطى الحبر … موالي الحقّ إن الموالي شكر (١)
[[سورة الروم (٣٠): الآيات ١٧ إلى ١٩]]
﴿فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩)﴾
هذا تسبيح منه تعالى لنفسه المقدسة، وإرشاد لعباده إلى تسبيحه وتحميده في هذه الأوقات المتعاقبة الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه عند السماء، وهو إقبال الليل بظلامه، وعند الصباح وهو إسفار النهار عن ضيائه. ثم اعترض بحمده مناسبة للتسبيح وهو التحميد، فقال تعالى: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي هو المحمود على ما خلق في السموات
(١) الرجز للعجاج في ديوانه ١/ ٢٤، ولسان العرب (ثبت)، (حبر)، (شبر)، والتنبيه والإيضاح ٢/ ١٣٧، وديوان الأدب ١/ ٢١٢، وإصلاح المنطق ص ٩٧، وتاج العروس (بثر) وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٣١١، والمخصص ١٥/ ٨٠، ويروى «الشّبر» بدل «الحبر».