للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال السدي: افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود، فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا، فقال ثابت: والله لو كتب علينا ﴿أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ لفعلنا؛ فأنزل الله هذه الآية.

ورواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا بشر بن السري، حدثنا مصعب بن ثابت عن عمه عامر بن عبد الله بن الزبير قال: لما نزلت ﴿وَلَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ قال رسول الله : «لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم».

وحدثنا أبي، حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد، قال: لما تلا رسول الله هذه الآية ﴿وَلَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ الآية، أشار رسول الله بيده إلى عبد الله بن رواحة، فقال: «لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل» يعني ابن رواحة.

ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ﴾ أي ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به وتركوا ما ينهون عنه ﴿لَكانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ أي من مخالفة الأمر وارتكاب النهي ﴿وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً﴾، قال السدي: أي وأشد تصديقا ﴿وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنّا﴾ أي من عندنا ﴿أَجْراً عَظِيماً﴾ يعني الجنة ﴿وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً﴾ أي في الدنيا والآخرة، ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً﴾. أي من عمل بما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنه ورسوله فإن الله ﷿ يسكنه دار كرامته ويجعله مرافقا للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة وهم الصديقون، ثم الشهداء والصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم ثم أثنى عليهم تعالى فقال: ﴿وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً﴾.

وقال البخاري (١): حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب، حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله يقول: «ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة» وكان في شكواه التي قبض فيها أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: «مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين» فعلمت أنه خيّر، وكذا رواه مسلم من حديث شعبة عن سعد بن إبراهيم به. وهذا معنى قوله في الحديث الآخر «اللهم الرفيق الأعلى» ثلاثا ثم قضى، عليه أفضل الصلاة والتسليم.

[ذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة]

قال ابن جرير (٢): حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة، عن


(١) صحيح البخاري (تفسير سورة النساء باب ١٢)
(٢) تفسير الطبري ٤/ ١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>