وكساهم ذلا في الدنيا موصولا بذل الآخرة جزاء وفاقا. قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود، قال: كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي، ثم يقيمون سوق بقلهم من آخر النهار، وقد قال الإمام أحمد (١): حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبان، حدثنا عاصم، عن أبي وائل عن عبد الله يعني ابن مسعود، أن رسول الله ﷺ قال: «أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبيّ أو قتل نبيا وإمام ضلالة وممثل من الممثلين. وقوله تعالى: ﴿ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ وهذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به أنهم كانوا يعصون ويعتدون فالعصيان فعل المناهي، والاعتداء المجاوزة في حد المأذون فيه والمأمور به، والله أعلم.
لما بيّن تعالى حال من خالف أوامره وارتكب زواجره وتعدى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم وما أحل بهم من النكال، نبه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع فإن له جزاء الحسنى، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة كل من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه كما قال تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢] وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: ٣٠] قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عمر بن أبي عمر العدني حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قال سلمان ﵁: سألت النبي ﷺ عن أهل دين كنت معهم، فذكرت من صلاتهم وعبادتهم، فنزلت ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ إلى آخر الآية، وقال السدي ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً﴾ الآية، نزلت في أصحاب سلمان الفارسي بينا هو يحدث النبي ﷺ إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم، فقال كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون لك ويشهدون أنك ستبعث نبيا، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله ﷺ«يا سلمان هم من أهل النار»، فاشتد ذلك على سلمان فأنزل الله هذه الآية. فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى ﵇ حتى جاء عيسى فلما جاء كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكا، وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد ﷺ، فمن لم يتبع محمدا ﷺ منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكا.