يخبر تعالى أنه فضل بعض الرسل على بعض، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً﴾ [الإسراء: ٥٥]، وقال هاهنا ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ﴾ يعني موسى ومحمدا ﷺ، وكذلك آدم كما ورد به الحديث المروي في صحيح ابن حبان عن أبي ذر ﵁ ﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ﴾ كما ثبت في حديث الإسراء حين رأى النبي ﷺ، الأنبياء في السموات بحسب تفاوت منازلهم عند الله ﷿، (فإن قيل) فما الجمع بين هذه الآية وبين الحديث الثابت في الصحيحين عن أبي هريرة، قال استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال اليهودي في قسم يقسمه: لا والذي اصطفى موسى على العالمين. فرفع المسلم يده، فلطم بها وجه اليهودي، فقال: أي خبيث: وعلى محمد ﷺ؟ فجاء اليهودي إلى النبي ﷺ، فاشتكى على المسلم، فقال رسول الله ﷺ:«لا تفضلوني على الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟ فلا تفضلوني على الأنبياء» وفي رواية «لا تفضلوا بين الأنبياء» فالجواب من وجوه [أحدها] أن هذا كان قبل أن يعلم بالتفضيل، وفي هذا نظر [الثاني] أن هذا قاله من باب الهضم والتواضع، [الثالث] أن هذا نهي عن التفضيل في مثل هذه الحال التي تحاكموا فيها عند التخاصم والتشاجر. [الرابع] لا تفضلوا بمجرد الآراء والعصبية. [الخامس] ليس مقام التفضيل إليكم، وإنما هو إلى الله ﷿، وعليكم الانقياد والتسليم له، والإيمان به.
وقوله ﴿وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ﴾ أي الحجج والدلائل القاطعات على صحة ما جاء بني إسرائيل به من أنه عبد الله ورسوله إليهم ﴿وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ يعني أن الله أيده بجبريل ﵇، ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا﴾ أي كل ذلك عن قضاء الله وقدره، لهذا قالوا ﴿وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ﴾.
يأمر تعالى عباده بالإنفاق مما رزقهم في سبيله، سبيل الخير، ليدّخروا ثواب ذلك عند ربهم ومليكهم، وليبادروا إلى ذلك في هذه الحياة الدنيا، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ﴾ يعني يوم القيامة ﴿لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ﴾ أي لا يباع أحد من نفسه ولا يفادي بمال لو بذل، ولو جاء بملء الأرض ذهبا، ولا تنفعه خلة أحد، يعني صداقته بل ولا نسابته، كما قال ﴿فَإِذا نُفِخَ فِي