بلا مهلة كقوله: ﴿وَما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [القمر: ٥٠] أي إنما نأمر مرة واحدة لا مثنوية فيها فيكون ذلك الشيء سريعا كلمح بالبصر.
يقول تعالى مخبرا عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى ﵇: إن الله يعلمه ﴿الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ﴾، الظاهر أن المراد بالكتاب هاهنا الكتابة، والحكمة تقدم تفسيرها في سورة البقرة، و ﴿التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾، فالتوراة هو الكتاب الذي أنزل على موسى بن عمران، والإنجيل الذي أنزل على عيسى ابن مريم ﵉. وقد كان عيسى ﵇ يحفظ هذا وهذا، وقوله: ﴿وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ أي يجعله رسولا إلى بني إسرائيل، قائلا لهم ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ﴾ وكذلك كان يفعل، يصور من الطين شكل طير، ثم ينفخ فيه فيطير عيانا بإذن الله ﷿، الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ﴾ قيل: إنه الذي يبصر نهارا ولا يبصر ليلا، وقيل بالعكس. وقيل: الأعشى. وقيل الأعمش. وقيل: هو الذي يولد أعمى وهو أشبه، لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي ﴿وَالْأَبْرَصَ﴾ معروف، ﴿وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ﴾.
قال كثير من العلماء: بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه، فكان الغالب على زمان موسى ﵇ السحر وتعظيم السحرة، فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام، وصاروا من عباد الله الأبرار. وأما عيسى ﵇، فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة، فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه والأبرص، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد. وكذلك محمد ﷺ، بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاريد الشعراء، فأتاهم بكتاب من الله ﷿، لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة من مثله، لم يستطيعوا أبدا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، وما ذاك إلا لأن كلام الرب ﷿ لا يشبه كلام الخلق أبدا.