يقول تعالى مخبرا عن القوم الذين لو عذبهم قبل قيام الحجة عليهم، لاحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول أنهم لما جاءهم الحق من عنده على لسان محمد ﷺ، قالوا على وجه التعنت والعناد والكفر والجهل والإلحاد ﴿لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى﴾ الآية، يعنون-والله أعلم- من الآيات كثيرة مثل العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وتنقيص الزروع والثمار، مما يضيق على أعداء الله، وكفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى إلى غير ذلك من الآيات الباهرة، والحجج القاهرة، التي أجراها الله تعالى على يدي موسى ﵇ حجة وبرهانا له على فرعون وملئه وبني إسرائيل.
ومع هذا كله لم ينجع في فرعون وملئه، بل كفروا بموسى وأخيه هارون، كما قالوا لهما ﴿أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٧٨] وقال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ﴾ [المؤمنون: ٤٨] ولهذا قال هاهنا:
﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ﴾ أي أو لم يكفر البشر بما أوتي موسى من تلك الآيات العظيمة ﴿قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا﴾ أي تعاونا ﴿وَقالُوا إِنّا بِكُلٍّ كافِرُونَ﴾ أي بكل منهما كافرون، ولشدة التلازم والتصاحب والمقاربة بين موسى وهارون، دل ذكر أحدهما على الآخر، كما قال الشاعر [الوافر]: