للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حولا، وهذا من وعد الله الذي تفضل به عليهم وأحسن به إليهم، ولهذا قال ﴿كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً﴾ أي لا بد أن يقع وأن يكون كما حكاه أبو جعفر بن جرير عن بعض علماء العربية أن معنى قوله ﴿وَعْداً مَسْؤُلاً﴾ أي وعدا واجبا.

وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ﴿كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً﴾ يقول: سلوا الذي وعدتكم-أو قال وعدناكم-ننجز وعدهم وتنجزوه، وقال محمد بن كعب القرظي في قوله ﴿كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً﴾ إن الملائكة تسأل لهم ذلك ﴿رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ﴾ وقال أبو حازم: إذا كان يوم القيامة، قال المؤمنون: ربنا عملنا لك بالذي أمرتنا فأنجز لنا ما وعدتنا، فذلك قوله ﴿وَعْداً مَسْؤُلاً﴾ وهذا المقام في هذه السورة من ذكر النار، ثم التنبيه على حال أهل الجنة، كما ذكر تعالى في سورة الصافات حال أهل الجنة وما فيها من النضرة والحبور، ثم قال ﴿أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظّالِمِينَ إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾ [الصافات: ٦٢ - ٧٠].

[[سورة الفرقان (٢٥): الآيات ١٧ إلى ١٩]]

﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩)

يقول تعالى مخبرا عما يقع يوم القيامة من تقريع الكفار في عبادتهم من عبدوا من دون الله من الملائكة وغيرهم، فقال ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ قال مجاهد: هو عيسى والعزيز والملائكة ﴿فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ﴾ الآية، أي فيقول للمعبودين: أأنتم دعوتم هؤلاء إلى عبادتكم من دوني، أم هم عبدوكم من تلقاء أنفسهم من غير دعوة منكم لهم؟ كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ﴾ [المائدة: ١١٦] الآية.

ولهذا قال تعالى مخبرا عما يجيب به المعبودون يوم القيامة ﴿قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ﴾ قرأ الأكثرون بفتح النون من قوله ﴿نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ﴾ أي ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحدا سواك لا نحن ولا هم، فنحن ما دعوناهم إلى ذلك، بل هم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ولا رضانا، ونحن برآء منهم ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>