يقول تعالى مخبرا عن إبراهيم أنه سلمه الله من نار قومه وأخرجه من بين أظهرهم مهاجرا إلى بلاد الشام، إلى الأرض المقدسة منها. كما قال الربيع بن أنس عن أبي العالية، عن أبي بن كعب في قوله: ﴿إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ﴾ قال: الشام وما من ماء عذب إلا يخرج من تحت الصخرة، وكذا قال أبو العالية أيضا وقال قتادة: كان بأرض العراق، فأنجاه الله إلى الشام، وكان يقال للشام عماد دار الهجرة، وما نقص من الأراضي زيد في الشام، وما نقص من الشام زيد في فلسطين، وكان يقال: هي أرض المحشر والمنشر، وبها ينزل عيسى ابن مريم ﵇، وبها يهلك المسيح الدجال.
وقال كعب الأحبار في قوله: ﴿إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ﴾ إلى حران. وقال السدي: انطلق إبراهيم ولوط قبل الشام، فلقي إبراهيم سارة وهي ابنة ملك حران وقد طعنت على قومها في دينهم، فتزوجها على أن لا يغيرها، رواه ابن جرير، وهو غريب، والمشهور أنها ابنة عمه، وأنه خرج بها مهاجرا مر بلاده. وقال العوفي عن ابن عباس: إلى مكة، ألا تسمع إلى قوله: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً﴾ (١)[آل عمران: ٩٦].
وقوله: ﴿وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً﴾ قال عطاء ومجاهد وعطية وقال ابن عباس وقتادة والحكم بن عيينة: النافلة ولد الولد، يعني أن يعقوب ولد إسحاق، كما قال: ﴿فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ﴾. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: سأل واحدا، فقال ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ﴾ فأعطاه الله إسحاق وزاده يعقوب نافلة، ﴿وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ﴾ أي الجميع أهل خير وصلاح، ﴿وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً﴾ أي يقتدى بهم.
﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنا﴾ أي يدعون إلى الله بإذنه، ولهذا قال: ﴿وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ﴾ من باب عطف الخاص على العام، ﴿وَكانُوا لَنا عابِدِينَ﴾ أي فاعلين لما يأمرون الناس به، ثم عطف بذكر لوط، وهو لوط بن هاران بن آزر. كان قد آمن بإبراهيم ﵇ واتبعه وهاجر معه، كما قال تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي﴾