للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة محمد (٤٧): الآيات ١٦ إلى ١٩]]

﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاِتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اِهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاِسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩)

يقول تعالى مخبرا عن المنافقين في بلادتهم وقلة فهمهم، حيث كانوا يجلسون إلى رسول الله ويستمعون كلامه فلا يفهمون منه شيئا فإذا خرجوا من عنده ﴿قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ من الصحابة ﴿ماذا قالَ آنِفاً﴾ أي الساعة. لا يعقلون ما قال ولا يكترثون له. قال الله تعالى: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ﴾ أي فلا فهم صحيح ولا قصد صحيح. ثم قال ﷿: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً﴾ أي والذين قصدوا الهداية وفقهم الله تعالى لها فهداهم إليها وثبتهم عليها وزادهم منها ﴿وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ﴾ أي ألهمهم رشدهم. وقوله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ أي وهم غافلون عنها ﴿فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها﴾ أي أمارات اقترابها كقوله : ﴿هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى أَزِفَتِ الْآزِفَةُ﴾ [النجم: ٥٦ - ٥٧] وكقوله جلت عظمته: ﴿اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: ١] وقوله : ﴿أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١] وقوله جل وعلا:

﴿اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١] فبعثة رسول الله من أشراط الساعة، لأنه خاتم الرسل الذي أكمل الله تعالى به الدين وأقام به الحجة على العالمين.

وقد أخبر بأمارات الساعة وأشراطها وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله، كما هو مبسوط في موضعه. وقال الحسن البصري: بعثة محمد من أشراط الساعة وهو كما قال ولهذا جاء في أسمائه أنه نبي التوبة ونبي الملحمة، والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه، والعاقب الذي ليس بعده نبي (١).

وقال البخاري: حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا أبو حازم، حدثنا سهل بن سعد قال: رأيت رسول الله قال بإصبعيه هكذا بالوسطى والتي تليها «بعثت أنا والساعة كهاتين» (٢) ثم قال تعالى: ﴿فَأَنّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ﴾ أي فكيف للكافرين بالتذكر إذا جاءتهم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك كقوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنّى لَهُ الذِّكْرى﴾ [الفجر: ٢٣]. ﴿وَقالُوا آمَنّا بِهِ وَأَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ [سبأ: ٥٢].


(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٦١، باب ١، ومسلم في الفضائل حديث ١٢٤، ١٢٥، والترمذي في الأدب باب ٦٧، ومالك في أسماء النبي حديث ١، وأحمد في المسند ٤/ ٣٩٥. ٤٠٤، ٤٠٧.
(٢) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٣٩، وتفسير سورة ٧٩ باب ١، ومسلم في الجمعة حديث ٤٣، والفتن حديث ١٣٢، ١٣٥، وابن ماجة في المقدمة باب ٧، والفتن باب ٢٥، والدارمي في الرقاب باب ٤٦، وأحمد في المسند ٤/ ٣٠٩، ٥/ ٩٢، ١٠٣، ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>