للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لموت أحد ولا لحياته «١» .

وقوله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ يَمْتَنُّ عَلَيْهِمْ تَعَالَى بِذَلِكَ حَيْثُ أَنْقَذَهُمْ مِمَّا كانوا فيه من إهانة فرعون ولإذلاله لَهُمْ، وَتَسْخِيرِهِ إِيَّاهُمْ فِي الْأَعْمَالِ الْمُهِينَةِ الشَّاقَّةِ. وقوله تعالى: مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً أي مستكبرا جبارا عنيدا كقوله عز وجل: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ [القصص: ٤] وقوله جلت عظمته فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ [المؤمنون: ٤٦] من المسرفين أي مسرف فِي أَمْرِهِ سَخِيفَ الرَّأْيِ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ جل جلاله: وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ قَالَ مُجَاهِدٌ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ عَلَى مَنْ هُمْ بَيْنَ ظَهْرَيْهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: اخْتِيرُوا عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِمْ ذَلِكَ، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ لكل زمان عالما، وهذا كقوله تَعَالَى: قالَ يَا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ [الْأَعْرَافِ: ١٤٤] أَيْ أَهْلِ زمانه ذلك كقوله عز وجل لمريم عليها السلام: وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ أي في أمانها فإن خديجة رضي الله عنها إما أفضل منها أو مساوية لها في الفضل، وكذا آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وفضل عائشة رضي الله عنها عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ «٢» .

وقوله جل جلاله: وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ أي الحجج والبراهين وخوارق العادات ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ أَيِ اخْتِبَارٌ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ لِمَنِ اهْتَدَى به.

[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٣٤ الى ٣٧]

إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧)

يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَالْمَعَادَ وَأَنَّهُ مَا ثَمَّ إِلَّا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا حَيَاةَ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَلَا بَعْثَ وَلَا نُشُورَ، وَيَحْتَجُّونَ بِآبَائِهِمُ الْمَاضِينَ الَّذِينَ ذَهَبُوا فَلَمْ يَرْجِعُوا فَإِنْ كَانَ الْبَعْثُ حَقًّا فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَهَذِهِ حُجَّةٌ باطلة وشبه فَاسِدَةٌ، فَإِنَّ الْمَعَادَ إِنَّمَا هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لا في هذه الدار الدنيا بَلْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَذَهَابِهَا وَفَرَاغِهَا، يُعِيدُ اللَّهُ الْعَالَمِينَ خَلْقًا جَدِيدًا، وَيَجْعَلُ الظَّالِمِينَ لِنَارِ جَهَنَّمَ وَقُودًا، يَوْمَ تَكُونُونَ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَهَدِّدًا لَهُمْ وَمُتَوَعِّدًا وَمُنْذِرًا لَهُمْ بَأْسَهُ الَّذِي لَا يرد كما حل بأشباههم ونظرائهم


(١) أخرجه البخاري في الكسوف باب ١، ٢، ١٣، ١٧، ومسلم في الكسوف حديث ١، وأحمد في المسند ٦/ ٧٦، ٨٧. [.....]
(٢) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب ٣٠، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٧٠، ٨٩، والترمذي في المناقب باب ٦٣، والنسائي في النساء باب ٣، وابن ماجة في الأطعمة باب ١٤، والدارمي في الأطعمة باب ٢٩، وأحمد في المسند ٣/ ١٥٦، ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>