يخبر تعالى أنه يختار من الملائكة رسلا فيما يشاء من شرعه وقدره ومن الناس لإبلاغ رسالته ﴿إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ أي سميع لأقوال عباده، بصير بهم، عليم بمن يستحق ذلك منهم، كما قال: ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤]، وقوله: ﴿يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ أي يعلم ما يفعل برسله فيما أرسلهم به، فلا يخفى عليه شيء من أمورهم، كما قال: ﴿عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً﴾ -إلى قوله- ﴿وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً﴾ [الجن: ٢٨] فهو سبحانه رقيب عليهم، شهيد على ما يقال لهم، حافظ لهم، ناصر لجنابهم ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧] الآية.
اختلف الأئمة ﵏ في هذه السجدة الثانية من سورة الحج: هل هي مشروع السجود فيها، أم لا؟ على قولين، وقد قدمنا عند الأولى حديث عقبة بن عامر عن النبي ﷺ«فضلت سورة الحج بسجدتين، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما»(١). وقوله: ﴿وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ﴾ أي بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم، كما قال تعالى: ﴿اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ﴾ [آل عمران:١٠٢].
وقوله: ﴿هُوَ اجْتَباكُمْ﴾ أي يا هذه الأمة الله اصطفاكم واختاركم على سائر الأمم، وفضلكم وشرفكم وخصكم بأكرم رسول وأكمل شرع ﴿وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ أي ما كلفكم ما لا تطيقون وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجا ومخرجا، فالصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربعا، وفي السفر تقصر إلى اثنتين، وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة، كما ورد به الحديث، وتصلى رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها، والقيام فيها يسقط لعذر المرض، فيصليها المريض جالسا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات، ولهذا قال ﵇: «بعثت
(١) أخرجه الترمذي في الجمعة باب ٥٤، وأحمد في المسند ٤/ ١٥١، ١٥٢.