للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي يبسط عليكم رحمة يستركم بها من قومكم ﴿وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ﴾ الذي أنتم فيه ﴿مِرْفَقاً﴾ أي أمرا ترتفقون به، فعند ذلك خرجوا هرابا إلى الكهف فأووا إليه، ففقدهم قومهم من بين أظهرهم وتطلبهم الملك، فيقال أنه لم يظفر بهم وعمى الله عليه خبرهم كما فعل بنبيّه محمد ، وصاحبه الصديق حين لجئا إلى غار ثور، وجاء المشركون من قريش في الطلب فلم يهتدوا إليه مع أنهم يمرون عليه، وعندها قال النبي حين رأى جزع الصديق في قوله:

يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا، فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟» (١) وقد قال تعالى: ﴿إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ٤٠] فقصة هذا الغار أشرف وأجل وأعظم وأعجب من قصة أصحاب الكهف، وقد قيل: إن قومهم ظفروا بهم ووقفوا على باب الغار الذي دخلوه، فقالوا: ما كنا نريد منهم من العقوبة أكثر مما فعلوا بأنفسهم، فأمر الملك بردم بابه عليهم ليهلكوا مكانهم ففعلوا ذلك، وفي هذا نظر، والله أعلم، فإن الله تعالى قد أخبر أن الشمس تدخل عليهم في الكهف بكرة وعشيا، كما قال تعالى:

[[سورة الكهف (١٨): آية ١٧]]

﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧)

فهذا فيه دليل على أن باب هذا الكهف كان من نحو الشمال، لأنه تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه ﴿ذاتَ الْيَمِينِ﴾ أي يتقلص الفيء يمنة، كما قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة ﴿تَزاوَرُ﴾ أي تميل (٢)، وذلك أنها كلما ارتفعت في الأفق تقلص شعاعها بارتفاعها حتى لا يبقى منه شيء عند الزوال في مثل ذلك المكان، ولهذا قال: ﴿وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ﴾ أي تدخل إلى غارهم من شمال بابه، وهو من ناحية المشرق، فدل على صحة ما قلناه، وهذا بين لمن تأمله وكان له علم بمعرفة الهيئة وسير الشمس والقمر والكواكب، وبيانه أنه لو كان باب الغار من ناحية الشرق لما دخل إليه منها شيء عند الغروب، ولو كان من ناحية القبلة لما دخله منها شيء عند الطلوع ولا عند الغروب، ولا تزاور الفيء يمينا ولا شمالا، ولو كان من جهة الغرب لما دخلته وقت الطلوع بل بعد الزوال، ولم تزل فيه إلى الغروب، فتعين ما ذكرناه، ولله الحمد.

وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: تقرضهم تتركهم (٣)، وقد أخبر الله تعالى بذلك، وأراد منا


(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٩، باب ٩، وأحمد في المسند ١/ ٤.
(٢) انظر تفسير الطبري ٨/ ١٩٢.
(٣) انظر تفسير الطبري ٨/ ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>