للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لرسول الله : ﴿إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ﴾ أي كذاب، وإنما هو الرب تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وقال مجاهد: ﴿بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ﴾ أي رفعناها وأثبتنا غيرها، وقال قتادة: هو كقوله تعالى: ﴿ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها﴾ (١) [البقرة: ١٠٦] الآية، فقال تعالى مجيبا لهم ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ﴾ أي جبريل ﴿مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ أي بالصدق والعدل ﴿لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فيصدقوا بما أنزل أولا وثانيا، وتخبت له قلوبهم ﴿وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ أي وجعله هاديا وبشارة للمسلمين الذين آمنوا بالله ورسله.

[[سورة النحل (١٦): آية ١٠٣]]

﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)

يقول تعالى مخبرا عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء والبهت أن محمدا إنما يعلمه هذا الذي يتلوه علينا من القرآن بشر ويشيرون إلى رجل أعجمي كان بين أظهرهم غلام لبعض بطون قريش، وكان بياعا يبيع عند الصفا، وربما كان رسول الله يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء، وذاك كان أعجمي اللسان لا يعرف العربية أو أنه كان يعرف الشيء اليسير بقدر ما يرد جواب الخطاب فيما لا بد منه، فلهذا قال الله تعالى: رادا عليهم في افترائهم ذلك ﴿لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ أي القرآن، أي فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن في فصاحته وبلاغته ومعانيه التامة الشاملة التي هي أكمل من معاني كل كتاب نزل على بني أرسل، كيف يتعلم من رجل أعجمي؟ لا يقول هذا من له أدنى مسكة من العقل.

قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة (٢): كان رسول الله -فيما بلغني-كثيرا ما يجلس عند المروة إلى مبيعة غلام نصراني يقال له جبر، عبد لبعض بني الحضرمي، فأنزل الله ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ وكذا قال عبد الله بن كثير، وعن عكرمة وقتادة: كان اسمه يعيش.

وقال ابن جرير (٣): حدثني أحمد بن محمد الطوسي، حدثنا أبو عامر، حدثنا إبراهيم بن طهمان عن مسلم بن عبد الله الملائي، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: كان رسول الله يعلم قينا بمكة، وكان اسمه بلعام، وكان أعجمي اللسان، وكان المشركون يرون رسول الله يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه بلعام، فأنزل الله هذه الآية ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾.

وقال الضحاك بن مزاحم: هو سلمان الفارسي، وهذا القول ضعيف، لأن هذه الآية مكية،


(١) انظر تفسير الطبري ٧/ ٦٤٧.
(٢) سيرة ابن هشام ١/ ٣٩٣.
(٣) تفسير الطبري ٧/ ٦٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>